vendredi 19 février 2010

الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب

لئن كانت ظاهرة الإرهاب LE TERRORISME كأسلوب إجرامي، من أقدم أساليب العلم، التي عرفها التاريخ البشري, وأشدها قسوة، فقد صارت منذ بداية هذا القرن أكثر الجرائم خطورةً على المجتمع الدولي بأسره، أفراداً وحكومات.

فالعمليات الإرهابية المعاصرة لم تعد تمارس من أجل الاعتداء على أشخاص معينين، كما كان الحال في الماضي، بل هي تستهدف اليوم، وبصفة رئيسية بث الرعب والخوف في نفوس كافة الدول.

الأمر الذي دعا منظمة الأمم المتحدة في عام 1972 إلى إضافة لفظة دولي" INTERNATIONAL" إلى المصطلح الذي كان مستخدماً من قبل التعبير عن تلك العمليات "TERRORISM "، وإلى إنشاء لجنة متخصصة مهمتها الرئيسية دراسة الأسباب والدوافع الكامنة وراء عمليات الإرهاب الدولي.

ومنذ بداية الستينات بدأ المجتمع الدولي المعانات من أشد هذه العمليات خطورة وقسوة وهي تلك التي تمارس في مواجهة الطائرات المدنية التي تستخدم في نقل الركاب عبر دول العالم، بالسيطرة عليها وإجبارها بالقوة على تغيير مسارها وحجز ركابها داخلها لتحقيق مطالب معينة لخاطفيها، الذين أطلق عليهم اسم "HIJACKERS " أو " FLYING COMMANDO"
وإن كان التاريخ كاشفاً للحقائق، فقد كشف حقيقة شعار " التضامن الدولي لمكافحة الإرهاب " أنه شعار صنع من أجل حماية أمن وسلامة العالم الغربي وحده.

وعودة إلى فترة الستينات التي شهدت فيها أوروبة العديد مت حوادث اختطاف الطائرات المدنية بين شرق أوروبا وغربها على يد مواطنين من رومانيا

وتشيكو سلوفاكيا، وشهدت الولايات المتحدة _ اختطاف طائرات مدنية أمريكية وصل عددها بشهر " واحد مايو 1961 " إلى أكثر من خمسين حالة اختطاف، رفع العالم شعار " التضامن الدولي " ولأن رجال المقاومة الفلسطينية قد استخدموا الأسلوب ذاته لتحقيق مطالبهم، ظل الخطاب الغربي يتحدث عن هذه الجريمة وكأنها من صنع العرب وحدهم.

واليوم الذي يشهد ضربات إرهابية من جماعات عربية لدول عربية، تخلى الغرب عن شعار " التضامن الدولي " وتجاهل إعلان القاهرة العالمي في فبراير 1997 الذي دعا إلى التعاون من أجل مواجهة الإرهاب وإدانته باعتباره جريمة ضد الإنسانية تهدد أمن وسلامة النظام العالمي، لا لشيء إلا لأن الإرهابي عربي والضحية عربية. فالعرب جميعاً، في نظر الغرب، إرهابيون لم يشفع لهم أن هذه الجماعات تم تدريبها على يد المخابرات الأمريكية في أفغانستان وأن قادتها يتمتعون بحق الملجأ في بعض دول أوروبا.

فكان لابد من تحرك عربي موحد يحمل شعاراً جديداً هو " التضامن العربي لمكافحة الإرهاب ".

وبتوجيه من القيادة السياسية تحملت مصر عبء بدء التحرك من أجل التوصل إلى اتفاقية عربية لمكافحة الإرهاب، والتي ما أن طرحت فكرتها في المؤتمر السنوي لمجلس وزراء الداخلية العرب بمقره الدائم في تونس منذ أربع سنوات، حتى طغى على السطح العقبة الأزلية أمام تحقيق هذا الأمل.

فالدول العربية لم يسبق لها أن تجاوزت مجتمعه خلافاتها التقليدية، وإنها أمام هذه الخلافات لن تستطيع الوصول إلى وفاق فيما بينها.

هذه هي الحقيقة الواقعية التي يعلمها العالم كله، كان لابد من تجاوزها. وهذه هي المهمة الرئيسية التي وضعت على عاتق وزارة العدل المصرية.

بدأت وزارة العدل المفاوضات وهي تعي تماماً أن فشل جولة واحدة يمكن أن يهدم العلاقة الفاعلة بين الدول العربية لفترة زمنية طويلة.

فاعتمدت في أسلوبها التفاوضي على إستراتيجية تقوم على ثلاث ركائز أساسية:

1. وضوح الغاية من الاتفاقية: أبرز الطرح المصري أن القضية الجوهرية التي تعنى بها الاتفاقية ليست محاربة الإرهاب فحسب، بل حماية سمعة العرب وتاريخهم.هذه الغاية بما تحمله من قيمة استطاعت أن تصل بقدره الدول العربية إلى الفصل بين خلافاتهم وبين القضية الجوهرية التي تدور حولها المفاوضات من أجل إقامة علاقة فاعلة وقادرة على المواجهة.

2. رضاء الأطراف على أحكام الاتفاقية : حرصت المفاوضات على ألا تتضمن الاتفاقية حكماً لم يتشاور بشأنه الأعضاء بالاستماع إلى وجهات النظر المتباينة ووضعها جميعاً موضع التقدير، فجاءت كافة الأحكام باقتناع من الدول لا إرغام فيها، مما أقام جداراً من الثقة بينهم وإحداث نوع من التوازن بين الانفعال والعقل.

3. التمسك بالقيم المشتركة للعرب: التزام الخطاب التفاوضي بخصوصية العرب وما يجمعهم من قيم مشتركة تميزهم من غيرهم، والإحاطة بالملابسات المتعلقة بالخطر الإرهابي الذي يهدد أمن وسلامة الوطن العربي، مما كان له الأثر الفعال في الحد من المشكلات الناشئة عن تباين الآراء، والرغبة الصادقة في الاتفاق.

نجاح المفاوضات مهد الطريق نحو التآلف والاتفاق بين الدول العربية، توج بتوقيع 21 دولة عربية بالإضافة إلى السلطة الفلسطينية على أول اتفاقية عربية لمكافحة الإرهاب تحت شعار " التضامن العربي "



القسم الأول

التضامن الدولي لمكافحة الإرهاب

1. الإرهاب الدولي:Le terrorisme International" "

أطلق مصطلح "الإرهاب الدولي" على مستوى الاتفاقيات الدولية في المؤتمر الثالث لتوحد قوانين العقوبات الذي انعقد تحت إشراف الجمعية الدولية لقانون العقوبات في بروكسيل عام 1930 . وتم فيه وضع تعريف للإرهاب مؤداه أنه "استخدام متعمد للوسائل القادرة على إيجاد خطر مشترك لارتكاب فعل يعرض الحياة للخطر، ويهدد سلامة وصحة الإنسان،ويدمر الممتلكات المادية، وتتضمن هذه الأفعال الحرق والتفجير والإغراق وإشعال المواد الخانقة أو الضارة وإثارة الفوضى في وسائل النقل والمواصلات، والتخريب في الممتلكات الحكومية وخدمات المرافق العامة، والتلويث والتسبب عمداً في تسمم مياه الشرب أو الأغذية مما ينتج منه أمراض سواء للإنسان أو الحيوان أو النبات".

وعندما وضعت لجنة الإرهاب الدولي التابعة للأمم المتحدة مشروع اتفاقية موحدة بشأن الإجراءات القانونية لمواجهة الإرهاب الدولي في عام 1980 عبرت عن خصائصة بقولها: "إن الإرهاب الدولي يعد عملاً من أعمال العنف الخطيرة أو التهديد به يصدر من الفرد، سواء كان يعمل بمفرده أو بالاشتراك مع أفراد آخرين، ويوجه ضد الأشخاص أو المنظمات أو الأمكنة أو التسبب في جرحهم أو موتهم، أو تعطيل فعاليات هذه المنظمات الدولية، أو التسبب في إلحاق الخسارة أو الضرر أو الأذى بهذه الأمكنة أو الممتلكات،أو بالعبث بوسائل النقل والمواصلات بهدف تقويض علاقات الصداقة بين الدول أو بين مواطني الدول المختلفة، أو ابتزاز تنازلات من الدول. كما أن التآمر على ارتكاب أو محاولة ارتكاب أو الاشتراك في ارتكاب أو التحريض العام على ارتكاب الجرائم يشكل جريمة الإرهاب الدولي".

وحين عقدت لجنة القانون الدولي مؤتمرها الثاني في باريس عام 1984 قالت: إن أعمال العنف التي تعد من قبيل الإرهاب الدولي هي "كل الأفعال التي تحتوي على عنصر دولي والتي تكون موجهة ضد مدنيين أبرياء أو ممن يتمتعون بحماية دولية، ويكون من شأنها انتهاك قاعدة دولية بغرض إثارة الفوضى والاضطراب في بنية المجتمع الدولي، سواء ارتكبت هذه الأفعال في زمن السلم أو في زمن الحرب. وهي تتميز عن الجرائم التقليدية بأنها جرائم ضد السلم وضد الإنسانية ، وبالتالي فإن جميع الأفعال تعالج على نحو ملائم من قبل كل دولة بنفسها ووفقاً لقوانينها الوطنية"

2. جهود منظمة الأمم المتحدة من أجل مكافحة عمليات الإرهاب الدولي:

في 23 سبتمبر 1972 كلفت الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، بناء على طلب الأمين العام، لجنتها السادسةThe Sixth Committee بدراسة أساليب منع الإرهاب الدولي الذي قالت عنه أنه "يتجاهل حياة الناس أو يعرض حرياتهم الأساسية للخطر". كما أوصت بدراسة الأساليب الكامنة وراء أشكال الإرهاب أو أعمال العنف" التي تنسأ عن البؤس وخيبة الأمل والشعور بالظلم واليأس والتي تحمل بعض الناس على التضحية بأرواح بشرية بما فيهم أرواحهم محاولين بذلك إحداث تغييرات جذرية".

بدأت هذه اللجنة عملها بدراسة الدوافع السياسية والاجتماعية والاقتصادية للممارسات الإرهابية، فوزعت الإرهاب على المستوى الدولي بين أربعة مناطق:

1. منطقة العالم الغربي وأبرز صورة للإرهاب فيها ذلك الذي يمارس بين المملكة المتحدة وإيرلاندا، وبين الولايات المتحدة الأمريكية وكوبا.

2. منطقة العالم الاشتراكي، حيث حوادث العنف بين تشيكوسلوفاكيا والاتحاد السوفيتي.

3. منطقة الشرق الأوسط، الذي تمارس فيه أعمال العنف بين العرب وإسرائيل.

4. وأخيراً منطقة دول عدم الانحياز، كالعمليات التي تمارس في يوغوسلافيا.

وتبين للجنة أن الإرهاب لعب دوراً هاماً وخطيراً حين تصاعدت حدة الحرب الباردة بين الكتلتين الشرقية والغربية، وما صاحب هذه الفترة من ثورات تحررية في العالم الثالث،ومن ازدياد عنف الصراع العربي الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط. حيث انتشر في العالم أكثر من 371 منطقة إرهابية ارتكبت في السنوات الأخيرة من الستينات أكثر من 111 حادث اعتداء بلغ عام 1979 حوالي 3000 حادث. وفي عام 1980 وصل عدد ضحايا مثل تلك الحوادث إلى 1721 شخص ما بين قتيل وجريح، منهم 35% من الدبلوماسيين ورجال الأعمال الأمريكيين. واستخدم الإرهابيون هذا الأسلوب كبديل للحروب التقليدية، وإن كان أشد عنفاً منها، لأنه لا يفرق بين مدنيين وعسكريين ويرتكب بعيداً عن قواعد القانون الدولي العام في حالة الحرب.

ومن أهم الاتفاقيات التي أبرمت في هذا المجال:

· إتفاقية منع ومعاقبة الإرهاب (جنيف 1937)

Convention for the Prevention and Punishment

· والإتفاقية الأوربية الخاصة بقمع الإرهاب المبرمة فبي 27 يناير 1977

European Convention on the Suppression of Terrorism""

التي نصت على أن الإرهاب الدولي يعد جريمة جنائية دولية تمارس من خلال الأفعال الآتية:

1. خطف الطائرات.

2. الأعمال التي وردت في اتفاقية مونتريال عام 1971.

3. الأعمال الموجهة ضد الأشخاص ذوي الحماية الخاصة والدبلوماسية.

4. الجرائم التي تتضمن اختطافا وأخذ رهائن واعتقالا غير مشروع.

5. الجرائم التي تتضمن استخدام القنابل والقنابل اليدوية أو القذائف أو الصواريخ،

أو الخطابات والطرود التي تحوي متفجرات مما يهدد حياة الأشخاص للخطر.

6. الشروع أو الاشتراك بالتحريض في أي من الجرائم السابقة.



3. اختطاف الطائرات :Aircraft Hijacking

عرف المجتمع الدولي أول حادث اختطاف لطائرة مدنية في بيرو عام 1930 ثم توالت هذه العمليات كأسلوب إرهابي منذ عام 1945 بعد انقسام العالم إلى معسكرين شرقي وغربي. وكانت أوربا هي مسرح الأحداث حيث قام بعض المواطنين في رومانيا وتشيكوسلوفاكيا باختطاف الطائرات والتوجه بها إلى دول المعسكر الغربي هرباً من الأنظمة الاجتماعية التي سادت دول أوربا الشرقية منذ عام 1948 فقد شهد المعسكر الشرقي مابين عام 1948 و 1950 أكثر من خمس عشرة حادثة اختطاف.

وبعد ثورة فيدال كاسترو في كوبا مع بداية الستينيات تعرضت الطائرات المدنية التابعة للولايات المتحدة الأمريكية لعدد كبير من عمليات الاختطاف بلغ في مايو 1961 خمسين حالة اختطاف طائرات توجه بها مختطفوها إلى كوبا ثم احتدت مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي لتضيف لمثل هذه الحوادث بعدا جديدا. إذ قام رجال المقاومة الفلسطينية باللجوء لهذه الأعمال لتحقيق مطالبهم فمنذ 1968 ارتكبت ثلاثون حادث اختطاف ثم تصاعد هذا العدد ليصل في سنتي 1969 و 1970 إلى أكثر من ثمانين حادثاً. ثم انخفض في عام 1971 ليصل إلى واحد وخمسين حادث اختطاف ، ولكنه وصل إلى ثلاثمائة وتسعة وثلاثين حادث اختطاف في عام 1972 .

ثم أخذت مثل هذه الحوادث في الانخفاض مرة أخرى: ففي عام 1973، نظراً لتطور إجراءات الأمن في المطارات العالمية، وقع ثمانية عشر حادث اختطاف لطائرات مدنية. وفي عام 1974 وقع سبع حوادث فقط فشلت منها ثلاث حوادث غير أن عدد الضحايا كان مرتفعاً حيث قتل أكثر من مائة وستين شخص في حادثي اختطاف طائرة بريطانية في مارس 1974 وطائرة فيتنامية في ذات العام.

وقد دفعت هذه الطائرة منظمة الطيران المدني الدولي International (ICAO )

Civil Aviation Organization ، ممثلة في جمعيتها، إلى دعوة الدول إلى عقد المؤتمرات من أجل اتخاذ التدابير القانونية والإجراءات الأمنية لمواجهة مثل هذه الحوادث، التي أطلق عليها Aircraft Hijacking ، على ضوء أحكام القانون الدولي العام.

ولم تكن هذه الحوادث هي وحدها التي تهدد أمن وسلامة الطائرات، وإنما صاحبتها عدة ممارسات أخرى لأعمال العنف الإرهابي استهدفت جميعها الاعتداء على أرواح ركاب هذه الطائرات. فبعد أن كان الاعتداء يتمثل في تغيير مسار الطائرة، ووضع القنابل والمتفجرات على متنها، تحول في نهاية المطاف إلى الاعتداء على الركاب أنفسهم وهم داخل أبنية المطارات وقبل صعودهم إلى متن الطائرة. وقد تولد عن مثل هذه الحوادث حقان: حق عام يتجسد في سلطة الدولة في معاقبة الجاني، وحق خاص يتمثل في حق المضرور من الجريمة في التعويض.

وقد اهتمت الطيران المدني الدولي بالجانب الأول من المشكلة، منذ عام 1953 ،عندما بدأت لجنتها القانونية في وضع مشروع اتفاقية دولية لمواجهة الجرائم التي ترتكب ضد الطائرات المدنية، إذ حددت إطار عملها بهدف أساس هو وضع تنظيم للجوانب الجنائية لمثل هذه الأفعال دون الجوانب المدنية.





4. جهود منظمة الطيران المدني الدولي لمواجهة اختطاف الطائرات:

إزاء هذا التزايد المستمر لحوادث الاختطاف للطائرات المدنية، أسرعت منظمة الطيران المدني الدولي إلى دعوة الدول لاتخاذ التدابير القانونية والأمنية، المادية والفنية والوقائية بالمطارات والطائرات لمنع وقوع مثل هذه الحوادث.



أولاً: التدابير القانونية الدولية :

أسفرت جهود منظمة "الأيكاو" عن وضع ثلاث اتفاقيات دولية هي:

§ اتفاقية طوكيو لعام 1963 الخاصة بالجرائم والأفعال الأخرى التي ترتكب على متن الطائرات.

§ اتفاقية لاهاي لعام 1970 بشأن قمع الاستيلاء غير المشروع على الطائرات.

§ اتفاقية مونتريال لعام 1971 بشأن قمع الأفعال غير المشروعة الموجهة ضد أمن الطيران المدني.

ولقد كانت اتفاقية طوكيو لعام 1963 أول اتفاقية دولية تهتم بالجرائم التي ترتكب على متن الطائرات، فبينت ماهية الجرائم التي تهدد امن وسلامة الطائرات وأرست العديد من المبادئ الهامة في هذا الشأن.

ومن أهم هذه المبادئ مبدأ تسليم مرتكب الجريمة، والقبض عليه واستجوابه، الذي يعطى لقائد الطائرة الحق في استعمال القوة مع أحد الركاب الموجودين على متنها إذا ما أقدم على ارتكاب أحد الأفعال التي يعتبرها القائد مكونة لجريمة خطيرة طبقاً لقانون العقوبات في الدوة المسجلة فيها الطائرة. فيجوز له أن يقوم بتسليمه إلى السلطات المختصة في أية دولة متعاقدة تهبط فيها الطائرة. وعلى هذه الدولة أن تتسلمه وتقبض عليه إذا لزم الأمر، وتحبسه احتياطيا لمنعه من مغادرة البلاد حتى تقدمه للمحاكمة ( المادة 13 من اتفاقية طوكيو). كما أنها تلتزم فور القبض عليه لتقديمه إلى المحاكمة ومعاقبته بالعقوبة المنصوص عليها في قانونها الوطني. فإذا لم ترغب الدولة في إجراء هذه المحاكمة فعليها أن تتبع حكم نص المادة السادسة عشر من الاتفاقية الذي يقضي بإعادة تسليمه المختطف إلى الدولة صاحبة الاختصاص الأصيل (دولة جنسية الطائرة).

فالدولة التي هبطت فيها الطائرة تلتزم إذن بناء على هذا إما بمحاكمة المتهم أو بتسليمه إلى دولة جنسية الطائرة أو الدولة التي يكون المتهم تابعاً لها. وقد آثار هذا النص العديد من التساؤلات حول مدى أعمال مبدآ التسليم في جرائم اختطاف الطائرات التي يكون الباعث على ارتكابها تحقيق أهداف سياسية.

لذالك كان موضوع تسليم مختطفي الطائرات" Extradition of Hijackers " من المسائل الرئيسية التي عالجتها اتفاقية لاهاي لعام 1970 . فنصت على أن جريمة اختطاف الطائرات تعتبر ضمن الجرائم التي يجوز فيها تسليم المجرمين " Extraditable offence " ويجب عند إبرام أية معاهدة لتسليم المجرمين "Extradition treaty " النص فيها على جريمة اختطاف الطائرات ( المادة الثامنة ). وبمقتضى هذا النص تعهدت الدول الأطراف في الاتفاقية بإدخال اختطاف الطائرات ضمن إطار معاهدات تسليم المجرمين المبرمة فعلاً بينهم أو بالتزامهم بالنص في المعاهدات التي سوف تبرم في المستقبل على أن يتم تسليم مختطفي الطائرات بين الدول الأطراف. ولقد كان لمنظمة الإيكاو الفضل في وضع هذا النص بعد أن قدمت تقريراً أوردت فيه: أنه منذ بداية عام 1969 وحتى نهاية يونيو 1970 وقعت 118 حالة اختطاف طائرات و4 حالات نسف وتخريب لشركات طيران تابعة لسبع وأربعين دولة ، وأن ضحايا هذه الحوادث بلغ 96 قتيلاً و57 جريحاً.

وقد حددت هذه الاتفاقيات نطاق تطبيقها وبينت الأفعال المعاقب عليها، فأوجبت على الدول الأطراف فيها توقيع أقصى العقوبات على مرتكبيها، واتخاذ الإجراءات اللازمة للقبض عليهم ومحاكمتهم أو تسليمهم، ونصت على أحكام خاصة بالتصديق عليها ونقدها. وقد صدقت مصر على هذه الاتفاقية في 28 فبراير 1975.

ولما كان الاعتداء الإرهابي لا يقع فقط على الطائرة " أثناء الطيران" "in flight " وإنما قد يرتكب ، أثناء إعداد الطائرة للرحلة الجوية، ضد الركاب عند تجمعهم داخل مبنى المطار، أو ضد المطارات وتسهيلات ومنشآت الملاحة الجوية، فقد دعت اللجنة القانونية لمنظمة الطيران المدني الدولي، في الفترة مابين 29 سبتمبر إلى 10 أكتوبر سنة 1970 ، إلى عقد مؤتمر لوضع مشروع اتفاق دولي لتجريم كل أفعال العنف الموجه ضد الملاحة الجوية التي من شأنها تهديد أمن وسلامة الطائرة والركاب والأموال وإعاقة الخدمة على الخطوط الجوية العالمية.

فأبرمت اتفاقية مونتريال بشأن قمع الأفعال غير المشروعة الموجهة ضد أمن الطيران المدني في 23 سبتمبر سنة 1971 ولقد جرمت الاتفاقية المذكورة الأساليب المستحدثة للخاطف، كحالة تدمير الطائرة أو وضع جهاز أو مادة من المحتمل أن تدمر الطائرة أو تعرض سلامتها للخطر في حالة طيرانها, وحالة تدمير وإتلاف تسهيلات الملاحة الجوية أو التدخل في تشغيلها، وكذلك حالة قيام الخاطف بإبلاغ معلومات كاذبة من شأنها تعريض سلامة الطائرة وهي حالة الطيران للخطر، ووضع متفجرات أو مواد ناسفة بأية طريقة كانت في طائرة في حالة الخدمة بقصد الطائرة وإعاقتها عن الطيران.

أما عن العقوبات، فإنه على الرغم من أن اتفاقية طوكيو 1963 قد اعتبرت جريمة اختطاف الطائرات جريمة جنائية دولية، إلا أنها تركت العقوبات للتشريعات الوطنية دون أن تلزم الدول الأعضاء، وهذا وجه القصور الذي يشوبها، باعتبار مثل هذه الحوادث من قبيل الجرائم الجنائية المعاقب عليها في القوانين الوطنية. وهذا القصور تداركته اتفاقية لاهاي1970 فنصت في المادة الثانية منها على أنه " تتعهد كل دولة متعاقدة بأن تجعل الاستيلاء غير المشروع على الطائرات جريمة معاقباً عليها بعقوبات قاسية.

وكان لهذا النص الأثر الكبير على المشروع الوطني: فالقوانين الوطنية لم تكن تعتبر فعل الـ"Hijacking " جريمة جنائية لها تكيف قانوني مستقل وإنما كانت تنظر لها على أنها مجموعة من الأفعال تنطوي على جرائم معاقب عليها في قوانين العقوبات الوطنية.

وقد استجابت غالبية الدول لتوصيات المنظمة الدولية للطيران المدني" ICAO " باعتبرت جريمة الـ " Hijacking " جريمة جنائية مستقلة يعاقب من يرتكبها بأقسى العقوبات. فأصدرت المكسيك قانوناً بذلك عام 1968 ، وتبعتها كوبا بقانونها الصادر في عام 1969 . ثم أصدرت فرنسة القانون رقم 634 لسنة 1970 ، في 15 يوليو سنة 1970 ، الذي أضاف مادة جديدة هي المادة 462 ، إلى الباب الثالث من قانون العقوبات الفرنسي تنص على معاقبة كل شخص يتواجد على متن طائرة وهي في حالة طيران إذا قام بالإكراه أو بالتهديد باستعمال القوة بغرض الاستيلاء على الطائرة أو ممارسة سيطرته عليها، بالأشغال الشاقة من خمس سنوات إلى عسر سنوات. وإذا نتج عن هذه الأفعال جروح أو مرض تكون العقوبة من عشر سنوات إلى عشرين سنة.

وفي حالة حدوث وفاة شخص أو أكثر تكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة مع عدم الإخلال بتطبيق أحكام المواد 302 ، 303، 304 ، من قانون العقوبات الفرنسي وهي المواد المتعلقة بجرائم القتل والتي تصل فيها العقوبة إلى حد الإعدام.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية وافق مجلس الشيوخ الأمريكي، في 22/9/1972 ، على مشروع قانون يقضي بإعدام المختطف إذ قرر المحلفون ذلك، وأن يكون الحد الأدنى للعقوبة السجن لمدة عشر سنوات. وقد أعطى هذا المشروع للرئيس الأمريكي الحق في وقف رحلات شركات الخطوط الجوية الأمريكية إلى أي بلد يمنح حق اللجوء السياسي للإرهابي، أو يتقاعس عن اتخاذ الإجراءات المشددة لمكافحة اختطاف الطائرات، أو يستمر في تقديم الخدمات لجوية لبلدة أخرى ثبت فيحقها أنها تساعد أو تأوي الإرهاب.

ولم تتهاون المحاكم الأمريكية في تطبيق تلك العقوبات القاسية ففي 15/5/1970 حكم على مواطن أمريكي بالسجن خمسة وعشرين عاماً لأنه قام باختطاف طائرة أمريكية واتجه إلى كوبا في 9/1/1969 ثم ادعى الجنون وعاد إلى موطنه واستسلم وكانت تلك هي المرة الأولى التي يصدر فيها في الولايات المتحدة الأمريكية حكم بهذه القسوة بشأن جرائم الاختطاف،

وتبعته كثير من الدول الولايات الأمريكية في هذا الاتجاه المتشدد، فأصدرت الأرجواي مرسوماً خاصاً بتلك الجريمة بعام 1970، ثم الاتحاد السوفيتي في عام 1973 ، وكذلك تشيكوسلوفاكيا التي أدخل فيها المشروع تعديلاً على قانون العقوبات في 26/4/1973 وصل بالعقوبة في هذه الجرائم إلى حد الإعدام.

كما استجاب المشروع الإيطالي لهذه الجهود، فأصدر في 10 مايو 1976 قانوناً خاصاً بهذه الجريمة تبنى فيه نصوص الاتفاقيات الدولية واشتمل على عقوبات مشددة.

ولم يتخلف المشروع المصري عن مسايرة الاتجاه السابق، فحينما أصدر القانون الخاص بالطيران المدني رقم 28 لسنة 1981، خصص الباب الثاني عشر منه للجرائم التي ترتكب ضد أمن وسلامة الطيران المدني، سواء تلك الموجهة ضد الطائرات أو ضد المطارات وتسهيلات ومنشآت الملاحة الجوية. ولقد حددت المادة 142 من القانون المذكور ماهية جرائم الاعتداء على سلامة الطيران المدني، إذ نصت على أن:



1. يعد مرتكباً للجريمة أي يشخص يرتكب عمداً ودون حق مشروع فعلاً من الأفعال الآتية:

أ‌. أن يقوم بعمل من أعمال العنف ضد شخص على متن طائرة في حالة طيران، إذا كان من شأن هذا العمل أن يعرض سلامة هذه الطائرة للخطر.

ب‌. أن يدمر طائرة في الخدمة، أو يحدث بها تلفاً يجعلها عاجزة عن الطيران، أو يحتمل أن يعرض سلامتها وهي في حالة طيران للخطر.

ت‌. أن يقوم بأية وسيلة كانت بوضع أو التسبب في وضع جهاز أو مادة في طائرة في الخدمة يحتمل أن يدمر هذه الطائرة، أو أن يحدث بها تلفاً يجعلها عاجزة عن الطيران أو يحدث بها تلفاً يحتمل أن يعرض سلامتها وهي في حالة طيران للخطر.

ث‌. أن يدمر أو يتلف تسهيلات أو منشآت الملاحة الجوية أو أن يتدخل في تشغيلها، إذا كان من شأن أي من هذه الأفعال احتمال تعريض سلامة الطائرات وهي في حالة طيران للخطر.

ج‌. أن يقوم بإبلاغها معلومات يعلم أنها كاذبة، معرضاً بذلك سلامة طائرة وهي في حالة طيران للخطر.

ح‌. أن يسرق معدات خدمات تسهيلات الملاحة الجوية أو أية أجهزة أو آلات أو أسلاك تكون لازمة لتأمين سلامة الطيران أو متصلة بها.



2. يعد مرتكباً للجريمة أي شخص يرتكب فعلاً من الفعلين الآتيين:

أ‌- أن يشرع في ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في البند (1) من هذه المادة.

ب‌- أن يكون شريكاً لشخص يرتكب أو يشرع في ارتكاب أي من تلك الجرائم.

وتنص المادة 160 من ذات القانون على عقوبة من يرتكب تلك الأفعال بالسجن لمدة لا تزيد على خمس سنوات، فإذا ترتب على الفعل تدمير للطائرة أو لتسهيلات أو لمنشآت الملاحة الجوية شددت العقوبة إلى الأشغال الشاقة المؤبدة.

وفي عام 1992، أصدر المشرع المصري تعديلاً لبعض نصوص قانون العقوبات أضاف فيه مواد خاصة بجريمة الإرهاب وهي:

المادة 86 والتي تنص على أنه:

" يقصد بالإرهاب في تطبيق أحكام هذا القانون كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع، يلجأ إليه الجاني تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، بهدف الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم أو تعرض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة، أو بالاتصالات أو المواصلات أو بالأموال أو بالمباني أو بالأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لأعمالها، أو تعطيل تطبيق الدستور أو اللوائح".



والمادة 88 والتي تنص على أنه:

" يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة كل من اختطف وسيلة من وسائل النقل الجوي، أو البري، أو المائي، معرضاً سلامة من بها للخطر. وتكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة إذا استخدم الجاني الإرهاب، أو نشأ عن الفعل المذكور جروح من المنصوص عليها في مادتين 240، 241 من هذا القانون لأي شخص كان داخل الوسيلة أو خارجها، أو إذا قاوم الجاني بالقوة أو العنف السلطات العامة أثناء تأدية وظيفته في استعادة الوسيلة من سيطرته، وتكون العقوبة الإعدام إذا نشأ عن الفعل موت شخص داخل الوسيلة أو خارجها.



ثانياً: الإجراءات الأمنية:

1. لجنة مجلس المنظمة الدولية للطيران المدني الخاصة بالاستيلاء الغير المشروع على الطائرات المدنية:

في ديسمبر سنة 1968 أحال المجلس التنفيذي للمنظمة الدولية للطيران المدني الدولي موضوع "وضع حد لظاهرة خطف الطائرات" على اللجنة القانونية لدراسته بناء على توصية صدرت من الجمعية العمومية التي انعقدت فيسبتمبر1968 بمدينة بوينوس ايرس.

وفي العاشر من أبريل سنة 1969 شكل مجلس المنظمة لجنة خاصة " بالاستيلاء غير المشروع على الطائرات" "Sub C0mmittee on Unlawful seizure of Aircrafts عهد إليها دراسة المشاكل الناتجة من جراء عمليات الاستيلاء غير المشروع على الطائرات المدنية، وأيضا عمليات التخريب أو الهجوم المسلح الموجه ضد الطائرات المستخدمة في النقل الجوي الدولي، أو ضد التسهيلات الأرضية التي يستخدمها النقل الجوي الدولي.

كان من أفضل النتائج التي حققتها تلك اللجنة إعداد مشروع نصوص خاصة بتلك المشكلة أمكن إدخالها فيما بعد ضمن ملاحق لاتفاقية شيكاغو(الملحق 17 والخاص بالأمن).

ولقد أدى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 12 ديسمبر 1969 ، والذي ناشدت فيه الدول الأعضاء معاقبة مرتكبي جرائم اختطاف الطائرات وما أعقبه من انفجار قنبلتين في طائرتين في أوربا الغربية أثناء طيرانهما في فبراير1970 ، إلى انعقاد دوره غير عادية للجمعية العمومية لمنظمة الطيران المدني في يونيو عام 1970 ناقشت فيها العديد من الموضوعات التي تهدف إلى تطوير النصوص الجنائية المتعلقة بالاستيلاء غير المشروع على الطائرات، وتنظيم كيفية تبادل المجرمين. وانتهت هذه الدورة بإصدار قرارات متعلقة بالاستيلاء غير المشروع على الطائرات سواء من الناحية القانونية.

كما أصدرت الجمعية عدة قرارات خاصة بمواصفات وممارسات الأمن، وكيفية معاونة الدول في تنفيذ الإجراءات الفنية لحماية الطيران المدني الدولي وإجراءات الأمن العام خارج الطائرة وأثناء الرحلات، وأساليب البحث بواسطة الأشعة Radiological ، وتبادل المعلومات ونشرها، وإجراءات تخفيف عواقب الاستيلاء غير المشروع والتقارير الخاصة عن هذه الوقائع.

ولقد استجاب المشروع المصري لقرارات الأمم المتحدة، سالفة الذكر، فأنشأ عام 1969 لجنة التدخل غير المشروع ضد الطيران المدني، والتي كان مهمتها إعداد أمن الطيران المصري لينة 1981 على منح سلطات للمطار، بالاشتراك مع السلطات المختصة الأخرى (كالشرطة)، لوضع الأنظمة والتعليمات اللازمة لحفظ الأمن بالمطارات وضمان سلامة الطائرات والتحقق من شخصية الركاب وتفتيشهم للتأكد من عدم حيازتهم لأية أسلحة أو مواد قابلة للاشتعال أو أية مواد أخرى يمكن استعمالها فيما يهدد الطائرة والركاب بالخطر.وقد سار على هذا النهج، أيضاً مشروع قانون الطيران المدني الليبي الذي قضى في المادة 163 على عدم جواز نقل متفجرات ومفرقعات ولا أية أسلحة وذخائر أو أي شيء مما يهدد أمن وسلامة الطائرة ومن على متنها إلا بموافقة خاصة مسبقة من الجهة المختصة قانونياً بذلك.





2. دليل أمن الطيران المدني Manual of Security :

وفي عام 1971 ، أصدرت منظمة الطيران المدني "ISAO " وثيقة إطلق عليها اسم "دليل الأمن لمنع الأعمال غير المشروعة ضد الطيران المدني".

وطبقاً لهذه الوثيقة يحق لكل دولة أن تشكل لجنة خاصة تشرف على أمن الطيران المدني الوطني مكونة من ممثلين للهيئات الحكومية وصناعة الطيران، ويكون لكل مطار لجنة أمن تعنى بالدرجة الأولى بالمنطقة المسماة بالمنطقة المعزولة، وهي منطقة ماقبل صعود الركاب إلى الطائرات حيث يتم فيها احتجازهم قبل صعودهم إلى متن الطائرة، وتكون فيها الأولية للركاب اللذين تثبت سلامتهم من الناحية الأمنية.

وقد بادرت مصر بإنشاء مثل هذه اللجان في مطاراتها الجمركية الدولية، مثل مطارات القاهرة والأقصر والإسكندرية وأسوان. وتتشكل لجنة أمن ميناء القاهرة الجوي، على سبيل المثال، من مندوبين عن هيئة الميناء المذكور والهيئة المصرية العامة للطيران المدني وأجهزة الأمن والشرطة بالميناء وجمارك الميناء، كما توجد لجنة عليا للمقاومة الإرهاب برئاسة وزير الدفاع يدخل في اختصاصها حوادث الإرهاب ضد الطيران المدني.

3. نصوص الأمن في ملاحق اتفاقية شيكاجو:

في22 مارس سنة 1974 أقر مجلس منظمة الطيران المدني وثيقة أضيفة كملحق لاتفاقية شيكاجو الخاصة بالطيران المدني الدولي، أعطيت رقم 17 وسميت بوثيقة " ضمان الأمن للطيران المدني الدولي في مواجهة أعمال الاستيلاء غير المشروع"

A Security - Safe - Guarding International Civil Aviation Against Acts of Unlawful Interferance.

ويضع هذا الملحق الحد الأدنى من الإجراءات والترتيبات الأمنية التي تتبعها الدول الأطراف، واللازمة لضمان أمن حركة النقل الجوي الدولي، بهدف كفالة سلامة الركاب وأطقم الطائرة والعاملين الأرضيين بالمطارات والركاب. وعلى كل دولة أن تعد برنامجاً لأمن الطيران المدني فيها، بغرض ضمان سلامة وانتظام وكفاءة الطيران المدني عن طريق منع أفعال التدخل غير المشروع ضده والحيلولة دون وقوعها. وكذلك على ملاك الطائرات أن يعدوا برنامجاً لأمن الطائرات يتمشى مع المتطلبات الدولية والوطنية في مجال الأمن. وتتناول مثل هذه البرامج الأحكام والإجراءات الواردة في الملحق 17 ودليل الأمن الصادر عن سكرتارية المنظمة الدولية للطيران المدني السابق الإشارة إليه. وقد قامت مصر بإنشاء لجنة التدخل غير المشروع ضد الطيران المدني في العاشر من إبريل عام 1969 لمتابعة أوضاع أمن الطيران وتسهيلات الملاحة الجوية التي وردت بالمادة 17 سالفة الذكر.

وفي سبتمبر 1983، وعلى أثر إسقاط الاتحاد السوفيتي إحدى الطائرات المدنية التابعة لكوريا الجنوبية ووفاة كل من فيها، دعت منظمة الطيران المدني، في 24/4/1984 إلى عقد جمعية عمومية غير عادية انتهت إلى الموافقة على بروتوكول بتعديل اتفاقية شيكاجو لعام 1944 بإضافة مادة 3 مكرر إلى الاتفاقية المذكورة تنص على منع قيام الدولة باستخدام القوة أو التهديد باستخدامها ضد الطائرات المدنية.

4. إعلان بون:

في 18 يوليو سنة 1978 أصدر رؤساء حكومات الدول، الذين حضروا مؤتمر القمة الاقتصادي في بون بيانا ًمشتركاً بصدد الإرهاب الدولي وجريمة اختطاف الطائرات،وقد عرض هذا البيان للحالة التي تكون فيها إحدى الدول بمثابة مأوى لمختطفي الطائرات، وقد صدر البيان المذكور عن حكومات كندا وجمهورية ألمانيا الاتحادية وفرنسا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية. وجاء فيه أن رؤساء الدول والحكومات المهتمة بالإرهاب واحتجاز الرهائن تعتزم تكثيف الجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب الدولي وأنه في حالة ما إذا رفضت دولة ما تسليم أو محاكمة مرتكبي جريمة اختطاف إحدى الطائرات أو إذا لم تعد هذه الطائرة، فإن رؤساء الدول والحكومات يقررون مجتمعين إيقاف كل الرحلات من وإلى تلك الدولة.

وفي الثالث من أكتوبر سنة 1978 عقد اجتماع آخر لممثلي هذه الحكومات بمدينة "أوتوا" لإدخال تعديلات على الإعلان، إلا أنه حتى الآن لم تتخذ أية خطوات إيجابية حول ترجمة البيان المشترك الصادر عنها فيشكل معاهدة متعددة الأطراف.ولا يزال هذا الإعلان بياناً لسياسة مشتركة ولا يفرض أية التزامات على الدول التي أصدرته.

وفي يوليو 1981 انعقد مؤتمر القمة الاقتصادي في (مونتبللو) بكندا، وعرض عليه واقعة خطف طائرة باكستانية، كانت في رحلة من كراتشي إلى بيشاور، وإرغام قائدها من قبل المختطفين بالتوجه بها إلى كابول لإجبار حكومة باكستان على الاعتراف بنظام (بابراك كارفال) في أفغانستان، فقرر وقف كافة الرحلات الجوية إلى أفغانستان.وقد التزم الكثير من الدول بإعلاني "بون ومونتبللو" بالرغم من عدم وجود أية قيمة قانونية لهما من وجهة نظر فقهاء القانون الدولي.



القسم الثاني

التضامن العربي من أجل مواجهة الإرهاب

كثيراً ما ينخدع العالم وهو يسير وراء شعارات رفعتها الدول الغربية من أجل حماية حقوق الإنسان وصون حريته، ثم سرعان ما يكتشف أنها شعارات من أجل التضامن لخدمة مصالح هذه الدول وحماية حريات مواطنيها. ومن إحدى هذه الخدع شعار:

"التضامن الدولي من أجل مواجهة الإرهاب"

هذا التضامن الذي لم يتحقق إلا لمواجهة جرائم اختطاف الطائرات المدنية في الولايات المتحدة وفي أوربا.

وقتها تحرك شعار "التضامن الدولي" ودعت منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO ) إلى التضامن من أجل اتخاذ التدابير القانونية والإجراءات الأمنية لمواجهة مثل هذه الحوادث، وبشكل جماعي وعلى ضوء أحكام القانون الدولي العام.

وقد تضامنت الدول العربية مع الدول الغربية من أجل مكافحة هذه الجريمة، فنجح المجتمع الدولي في إبرام ثلاثة اتفاقيات:اتفاقية طوكيو لعام 1963، لاهاي لعام 1970، على النحو سالف البيان.

وبفضل انضمام الدول العربية لهذه الاتفاقيات والتزامها بأحكامها، حقق المجتمع الدولي نجاحاً في القضاء على مثل هذه الجريمة الإرهابية حتى صارت اليوم من الحوادث النادرة. وإذ قارنا بين موقف الدول العربية في الستينات، وبين موقف الدول الغربية في التسعينات، عندما استهدفت ضربات الإرهاب الدول العربية، لوجدنا تخلياً واضحاً عن مبدأ التضامن الدولي من أجل مواجهة الإرهاب. فكل ما أثير من إشكاليات تك الاتفاق عليها في معاهدات مكافحة اختطاف الطائرات أعيد إثارتها من الدول الغربية بدءاً من تعريف الإرهاب مروراً بالجدل حول كونه جريمة غير سياسية يجوز التسليم فيها، انتهاء بالامتناع عن منح حق الملجأ للإرهابيين.

من أجل ذلك كان لزاماً على الدول العربية أن ترفع شعار "التضامن العربي لمكافحة الإرهاب"

وأن تبدأ أولى خطواتها نحو إبرام أول اتفاقية عربية لمكافحة الإرهاب فكان إعلان القاهرة العالمي لمواجهة الإرهاب وهو الإعلان الذي صدر من القاهرة عقب إقامة الندوة الدولية للإرهاب الذي دعا دول العالم إلى تحمل مسئوليتهم التضامنية لمواجهة الإرهاب.

وقد جاء في الإعلان:

إن الدول المشتركة تدين الإرهاب بكل صوره وأشكاله مهما تكن دوافعه وأسبابه على أساس أنه أعمال إجرامية غير مشروعة موجهة ضد الإنسان والاستقرار والتنمية، ويهدد امن وسلامة وتقدم المجتمعات بقدر تهديده لأمن وسلامة النظام العالمي الذي تأمل فيه البشرية عصراً جديداً يستهدف رخاءها ورفاهيتها.

أن الدول المشتركة تعتبر الإرهاب جريمة ضد الإنسانية وإنه يتعين النص على اعتباره من جرائم النظام الدولي العام.

أن الدول المشتركة تدعوا المنظمات الدولية الإقليمية للاهتمام بهذا الشأن ونناشد الأمم المتحدة بإبرام اتفاق خاص بالإرهاب أو إلى إنشاء جهاز دولي لمكافحته يتابع تنفيذ الاتفاق وبحيث يكون هو الآلية الرسمية.

وأمام تجاهل دول العالم لهذه الدعوة كانت الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب الموقعة في القاهرة في 22 من أبريل 1998.

ونظراً لأن العوائق التي واجهت هذه الاتفاقية كانت عوائق قانونية وأمنية فقد حمل لواء وضع المفاهيم القانونية، والتدابير الأمنية كل من وزارتي العدل والداخلية في مصر.



وقد عالجت هذه الاتفاقية الإشكاليات الآتية:

أولاً: تعريف الإرهاب

إن مسألة وضع تعريف للإرهاب يعد من أهم الإشكاليات التي تواجه أي تجمع دولي أو إقليمي أو حتى وطني يهدف إلى التعاون من أجل التصدي له، ذلك لأن هذا المصطلح ليس له محتوى قانوني محدد ومتفق عليه وإنما معاينه قد تطورت وتغيرت على مر السنوات. ففي أواخر القرن الثامن عشر، كان يقصد به الأعمال والسياسات الحكومية التي تستهدف الرعب بين المواطنين وصولاً إلى تأمين خضوعهم وانصياعهم لرغبات الحكومة. وبتطوره اليوم أصبح يستخدم لوصف أعمال يقوم بها أفراد أو مجموعات من الأفراد لأسباب متعددة. أما في الوقت الحاضر فإنه يستخدم للتعبير عن الاستخدام المنظم للعنف لتحقيق هدف سياسي وخاصة الاعتداءات الفردية والجماعات والتخريب وأعمال العنف المختلفة التي تقوم منظمة سياسية بممارستها على المواطنين وخلق جو من الرعب والفزع وعدم الأمان.

غير أنه أياً كان التعريف الذي يتفق عليه فإنه لابد ألا يهمل الباعث لدى مرتكب الفعل إذ أن الباعث هو المولد للقوة المحركة التي تدفع الإرادة لدى الإرهابي على ارتكابه للجريمة الإرهاب ـ من ناحية أخرى ـ المعاير الموضوعة لتحديد طبيعة الفعل وهل يعد إرهاباً، أم أنه لا يعد كذلك؟ فإذا كان لدى الجاني باعث أيديولوجي يخول له حق الدفاع السياسي من أجل الاعتراف له به، فإنه يجب أن يأخذ هذا في الاعتبار كمعيار موضوعي لاعتبار ما يقدم عليه من أعمال عنف إرهاب.

بناء على ذلك لا يعد الفعل إرهابياً إذا كان الباعث عليه هو الدفاع عن الحقوق المقررة للأفراد، حقوق الإنسان أو الشعوب، وحق تقرير المصير، والحق في تحرير الأرض المحتلة ومقاومة الاحتلال، إذ الأمر هنا يتعلق باستعمال مشروع للقوة طبقاً لأحكام القانون الدولي، سواء الاتفاقية أو العرفية.

وقد وضعت الاتفاقية العربية للإرهاب تعريفاً قالت فيه إن الإرهاب هو " كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أياً كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بإحدى المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة, أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر.

( الفقرة "2" من المادة الأولى).

ويلاحظ أن الصياغة قد جاءت في هذه المادة عامة إلى حد كبير، وذلك كي تسمح باستيعاب كافة صور العنف أو التهديد به مما قد يوحي إن الاتفاقية تعتبر أي عمل من أعمال العنف أو التهديد به إرهاباً بغض النظر عن الباعث على ارتكابه.

لكنه سرعان ما يتغير وجه الرأي إذا ما عرفنا إن الاتفاقية اعتنقت معياراً مزدوجاً لتهديد ما يعد من أفعال العنف إرهاباً.

معيار مادي، تمثل في الصور التي أوردتها الاتفاقية في فقرة "3" من المادة الأولى حين تكلمت عن المقصود بمصطلح "الجريمة الإرهابية" إذ نصت على إن:

(3) ـ الجريمة الإرهابية: هي أي جريمة أو شروع فيها ترتكب تنفيذاً لغرض إرهابي في أي من الدول المتعاقدة، أو على رعاياها أو ممتلكاتها أو مصالحها يعاقب عليها قانونها الداخلي، كما تعد من الجرائم الإرهابية الجرائم النصوص عليها في الاتفاقيات التالية،عدا ما استثنته منها تشريعات الدول المتعاقدة أو لم تصادق عليها:

أ‌- اتفاقية طوكيو والخاصة بالجرائم والأفعال التي ترتكب على متن الطائرات والموقعة بتاريخ 14/9/1963 .

ب‌-اتفاقية لاهاي بشأن مكافحة الاستيلاء غير المشروع على الطائرات والموقعة بتاريخ 26/12/1970.

ت‌-اتفاقية مونتريال الخاصة بقمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الطيران المدني والموقعة في 23/9/1971 والبروتوكول الملحق بها والموقع في مونتريال 10/5/1948.

ث‌-اتفاقية نيويورك الخاصة بمنع ومعاقبة الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص المشمولين بالحماية الدولية بمن فيهم الممثلون الدبلوماسيون والموقعة في 14/12/1973.

ج‌- اتفاقية اختطاف واحتجاز الرهائن والموقعة في 7/12/1979.

ح‌- واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1988 ما يتعلق منها بالقرصنة البحرية.

معاير موضوعة، متعلق بالباحث على ارتكاب أعمال العنف، فقد اعتبرت الاتفاقية إنه حينما يتعلق الأمر بحالة من حالات الكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبي منت أجل التحرير وتقرير المصير، فإن أعمال العنف لا تعد إرهاباً، وقد اشترطت الاتفاقية، لمزيد من التحديد للمعاير الموضوعة، ألا تكون أعمال أعنف موجهة إلى دولة عربية بهدف المساس بوحدة أراضيها وإلا فإنها تعد ـ وفقاً لمفهوم الاتفاقية ـ أعمالاً إرهابية.

ثانياً: الجريمة الإرهابية لا تعد جريمة سياسية

طهرت فكرة الجريمة السياسية، باعتبارها جريمة من نوع خاص يعامل مرتكبها معاملة خاصة تختلف عن تلك المقررة لمرتكبي الجرائم الأخرى، بعد الثورة الفرنسية وما جاءت به من مبادئ وأفكار سياسية لا تعتبر المجرم السياسي بالضرورة عدو للدولة بل قد يكون مجرد خصماً لجهاز الحكومة وإنه في الغالب صاحب عقيدة ورأي وإنه مقتنع بآرائه مما يدفعه إلى التضحية في سبيل مبادئه. وقد أدت هذه النظرة إلى إرساء مبدأ هام من مبادئ القانون الدولي وهو مبدأ خطر التسليم بالجرائم السياسية.

مما أثار السؤال الهام ما هو الفارق بين الجريمة السياسية والجريمة العادية؟

انقسم الفقهاء إلى ثلاث فرق:

فريق رأى إنه يجب الأخذ بالمعيار الشخصي بمعنى إن الدافع أو الباعث على اقتراف الفعل أو الغرض الذي يهدف الفاعل إلى تحقيقه هو أساس التفرقة، فإذا كان الباعث أو الدافع سياسي كانت الجريمة سياسية.

وفريق ثاني: يأخذ بالمعيار الموضوعي الذي يعتبر إن أساس تحديد نوع الجريمة سواء سياسية أو عادية هو نوع الحق المعتدى عليه بصرف النظر عن الباعث أو الدافع على ارتكاب الجريمة أو الهدف الذي ارتكبت من أجله، فالفعل لا يعتر جريمة سياسية إلا إذا كان يمس كيان الدولة ونظامها القائم.

وفريق ثالث: يرى إن أساس التفرقة هي الظروف التي ارتكبت فبها الجريمة فإذا ارتكبت في ظروف عادية فهيا جريمة عادية حتى لو كان الباعث سياسي. وتعتبر جريمة سياسية إذا ارتكبت في ظروف غير عادية كحرب أهلية أو ثورة.

ولم يتعرض المشروع المصري لمفهوم الجريمة السياسية من خلال قوانين العفو الشامل لبعض الجرائم، غير أنه قد جرى العمل في قضاء محكمة النقد المصرية الأخذ بالمعيار الشخصي للجريمة السياسية.

وفي هذا الصدد سجلت الاتفاقية نجاحاً في هذه الخصوصية عندما توصلت إلى اتفاق حول عدم اعتبار الجرائم الإرهابية جريمة سياسية حتى لو كانت بدافع سياسي وإذ فوضعت الحكم بغض النظر عن المعاير الذي تأخذ به كل دولة متعاقدة مطلوب إليها التسليم في تحديد ما يعد جريمة سياسية بمقتضى القواعد القانونية النافذة لديها (المادة 6/أ)، ويشمل هذا الحكم الجرائم الآتية:

1. التعدي على ملوك ورؤساء الدول المتعاقدة وزوجاتهم أو وصولهم أو فروعهم.

2. التعدي على أولياء العهد أو نواب رؤساء الدول أو رؤساء الحكومات أو الوزراء في أي من الدول المتعاقدة.

3. التعدي على الأشخاص المتمتعين بحماية دولية بمن فيهم السفراء والدبلوماسيون في الدول المتعاقدة أو المعتمدين لديها.

4. القتل العمد والسرقة المصحوبة بإكراه ضد الأفراد أو السلطات أو وسائل النقل والمواصلات.

5. أعمال التخريب والإتلاف للممتلكات العامة والممتلكات المخصصة لخدمة عامة حتى لو كانت مملوكة لدولة أخرى من الدول المتعاقدة .

6. جرائم تصنيع أو تهريب أو حيازة الأسلحة أو الذخائر أو المتفجرات أو غيرها من المواد التي تعد لارتكاب جرائم إرهابية. (الفقرة "ب" في المادة الثانية).

ويترتب على عدم اعتبار جريمة الإرهاب جريمة سياسية نتيجة في غاية الأهمية هي إنه يجوز تسليم المجرمين في جرائم الإرهاب، ولذلك كان منطقياً أن تضع الاتفاقية أحكاماً تنظم تسليم المجرمين.

ثالثاً: تسليم المجرمين

أحكام التسليم بوجه عام:

يقصد بتسليم المجرمين مجموعة الإجراءات القانونية التي تهدف إلى قيام دول بتسليم شخص متهم أو محكوم عليه إلى دولة أخرى لكي يحاكم بها أو ينفذ فيها الحكم الصادر عليه من محاكمها ( المادة (1) في المعاهدة النموذجية لتسليم المجرمين الصادرة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 45/116).

أطراف التسليم هي الدول: دولة طالبة للتسليم ودولة مطلوب منها التسليم.وحالات التسليم، بالنظر إلى المركز القانوني للشخص المطلوب تسليمه، حالتان:

· الأولى: حالة طلب تسليم شخص إلى الدولة الطالبة من أجل محاكمته بها وفقاً لقانونها وأمام قضائها لارتكابه جريمة تخضع للاختصاص التشريعي والقضائي لهذه الدولة.

· الثانية: حالة طلب تسليم شخص إلى الدولة الطالبة التي أصدرت محاكمها حكماً يجب تنفيذه بها.

وتعتبر المعاهدات الدولية المصدر الرئيس المنظم لأحكام تسليم المجرمين، سواء كانت معاهدات ثنائية كالاتفاقية المصرية الجزائرية المبرمة سنة 1964، والاتفاقية المصرية التونسية المبرمة سنة 1976.أو معاهدات جماعية كاتفاقية جامعة الدول العربية المبرمة في سنة1953، واتفاقية الرياض للتعاون القضائي في المواد الجزائية والمدنية والتجارية ومسائل الأحوال الشخصية المبرمة سنة 1983, والاتفاقية الأوربية لتسليم المجرمين المبرمة سنة 1958.

أحكام التسليم في الاتفاقية العربية

اتفاق الأطراف على أن الجرائم الإرهابية لا تعد جرائم سياسية ولو كانت بدافع سياسي، وتعهدت كل دولة بتسليم المتهمين أو المحكوم عليهم في الجرائم الإرهابية المطلوب تسليمهم من أي من هذه الدول.

وفي حالة ما إذا كان الإرهابي من مواطني الدولة المطلوب إليها التسليم وكان النظام القانوني لهذه الدولة لا يجيز لها تسليم مواطنيها، فتلتزم الدولة المطلوب إليها التسليم بتوجيه الاتهام ضد من يرتكب منهم لدى أي من الدول المتعاقدة الأخرى جريمة من الجرائم الإرهابية، ولها أن تستعين في هذا الشأن بالتحقيقات التي أجرتها الدولة طالبة التسليم.

وجدير بالإشارة أن الدستور المصري حظر تسليم المواطنين، وذلك بالقياس على حكم المادة 51 من الدستور التي تنص على عدم جواز إبعاد المواطنين حاملي الجنسية المصرية.

وفي حالة ما إذا تقرر تسليم الشخص المطلوب تسليمه، تلتزم أي من الدول المتقاعدة بضبط وتسليم الأشياء والعائدات المتحصلة من الجريمة الإرهابية أو المستعملة فيها أو المتعلقة بها للدولة الطالبة, سواء وجدت في حيازة الشخص المطلوب تسليمه أو لدى الغير.

رابعاً: الإنابة القضائية والتعاون القضائي:

ألزمت الاتفاقية كل دولة متعاقدة أن تطلب إلى أي دولة أخرى متعاقدة، القيام في إقليمها نيابة عنها بأي إجراء قضائي متعلق بدعوة ناشئة عن جريمة إرهابية سواء سماع شهادة الشهود أو تبليغ الوثائق القضائية، إجراء المعاينة وفحص الأشياء، ومع ذلك وأعطت لها حق رفض تنفيذ الإنابة القضائية إذ كانت الجريمة محل اتهام أو تحقيق أو محاكمة لدى الدولة المطلوب إليها تنفيذ الإنابة أو من شأنها المساس بسيادة الدولة المكلفة بتنفيذه أو بأمنها أو بالنظام العام.

كما ألزمت الاتفاقية كل دولة متعاقدة أن تقدم للدولة الدولة الأخرى المساعدة الممكنة واللازمة للتحقيقات أو الإجراءات المتعلقة بالجرائم الإرهابية، واستحدثت حكماً في مجال التعاون القضائي مؤداه أنه إذا أنعقد الاختصاص القضائي لإحدى الدول المتعاقدة بمحاكمة متهم عن جريمة إرهابية, فيجوز لهذه الدولة أن تطلب إلى الدول التي يوجد المتهم في إقليمها محاكمته عن هذه الجريمة, شريطة موافقة هذه الدولة ولكنه لا يترتب على نقل الاختصاص بالمحاكمة المساس لحقوق المتضرر من الجريمة، ويكون له اللجوء إلى قضاء الدولة الطالبة أو دولة المحاكمة في المطالبة بحقوقه المدنية الناشئة عن الجريمة.

خامساً: التعاون في المجال الأمني

على أساس الاتفاق حول المفاهيم القانونية الجريمة الإرهاب وضعت الاتفاقية أسس التعاون الأمني لمكافحة الإرهاب أو ما يسمى" بالإستراتيجية المضادة للإرهاب"، فلم تتعامل مع الإرهابي على أنه فرد واحد تهتم بقدراته الشخصية والجسمانية والعقلية، وإن مت نظرت له باعتباره عضواً في جماعة منظمة تتبع في ارتكاب جرائمها الإرهابية تنظيماً هرمياً قاعدته المنفذون للعملية الإجرامية أو " الخاضعون" وهم مجموعة من الأفراد تنفيذ العملية، حتى دون العلم بالهدف منها، وقمته مجموعة من القادة المخططين لتلك العمليات ينشغلون دائماً بتدبير الموارد المالية والنفوذ السياسي اللازم لارتكابها ليطلق عليهم"الرؤوس المدبرة"، لذلك قام التعاون العربي في هذا المجال على ثلاث ركائز أساسية:

· أولاً: تدابير أمنية لمنع الإرهاب:إذ فضلاً عن تعاهد الدول المتعاقدة بعدم تنظيم أو تمويل أو ارتكاب الأعمال الإرهابية، تعهدت بالحيلولة دون اتخاذ أراضيها مسرحاً لتخطيط أو تنظيم أو تنفيذ الجرائم الإرهابية ومنع تسلل العناصر الإرهابية أو إقامتها على أراضيها وتطوير وتعزيز الأنظمة المتصلة بإجراءات المراقبة وتأمين الحدود والمنافذ البرية والبحرية والجوية لمنع حالات التسلل منها.

· ثانياً: تدابير وطنية لمكافحة الإرهاب: وتتمثل في القبض على مرتكبي الجرائم الإرهابية وتسليمه وإقامة تعاون فعال بين الأجهزة المعنية وبين المواطنين لمواجهة الإرهاب بما في ذلك تشجيع وتأمين المواطنين على الإبلاغ عنة الأعمال الإرهابية.

· ثالثاً: تعاون عربي لمنع ومكافحة الإرهاب: اعتنقت الاتفاقية في منع مكافحة الإرهاب مبدأ رئيس في هذا المجال هو مبدأ تصعيب الهدفTarget hardening وهو مبدأ وقائي يعني أن تتخذ الجهات الأمنية كافة التدابير والإجراءات الأمنية التي من شأنها الحيلولة دون وصول أسلحة ومتفجرات إلى أيدي الإرهابيين، وتبادل المعلومات المتعلقة بأنشطة الجماعات الإرهابية وقياداتها وعناصرها وأماكن تمركزها وبالتالي تحول دون ارتكاب المزيد من الحوادث الإرهابية.

وبغية الوصول إلى المستوى أمني عربي رفيع المستوى اتفقت الدول العربية على أن تتعاون فيما بينها على إجراء وتبادل الدراسات والبحوث لمكافحة الجرائم الإرهابية وتوفير المساعدات الفنية لإعداد برامج عقد دورات تدريبية مشتركة للعاملين في مجال مكافحة الإرهاب، لتنمية قدراتهم العلمية ولرفع مستوى إدانتهم، وذلك من خلال ثلاثة قنوات رئيسية:

1. المعلومات:

تعاهدت الدول المتعلقة بتعزيز تبادل المعلومات في ما بينها حول أنشطة وجرائم الجماعات الإرهابية وقيادتها وعناصرها وأماكن تمركزها وتدريبها ووسائل ومصادر تمويلها وتسليحها، ووسائل الاتصال الدعاية التي تستخدمها الجماعات الإرهابية. وأن تخطر دولة متعاقدة أي دولة متعاقدة أخرى ـ على وجه السرعة ـ بما لديها من معلومات عن أية جريمة إرهابية ارتكبت في إقليمها بهدف المساس بمصالح تلك الدولة أو بمواطنيها، أو بما قد يتوافر لديها من معلومات أو بيانات من شأنها أن تحول دون وقوع مثل هذه الجرائم.

وقد فرضت الاتفاقية السرية على ما يتم التبادل للمعلومات في هذا الشأن وألزمت الدولة المتعاقدة بالحفاظ على سريتها.

2. التحريات:

تعاهدت الدول المتعاقدة بتقديم المساعدة في مجال التحري والقبض على الهاربين من المتهمين أو المحكوم عليه بجرائم إرهابية.

3. الخبرات:

تعهدت الدول المتعاقدة التعاون على إجراء وتبادل الدراسات والبحوث لمكافحة الجرائم الإرهابية,، والتعاون من اجل توفير المساعدات الفتية المتاحة بإعداد برامج أو عقد دورات تدريبية مشتركة يكون الهدف منها تنمية القدرات العلمية والعملية ورفع مستوى أداء العاملين في مجال مكافحة الإرهاب.

سادساً: آليات تنفيذ الاتفاقية

ولضمان ألا تتحول هذه الاتفاقية إلى مجرد "وثيقة" يمكن الرجوع إليها أو التمسك بها عند المطالبة بتطبيق أحد بنودها، وضعت الاتفاقية "آلية عمل حيوية" تعمل على تنفيذ أحكامها ولتسعى لتحقيق الهدف المنشود الذي من أجله أبرمت الاتفاقية.

وتنهض هذه الاتفاقية في ثلاث مجالات مبينة في الباب الثالث من الاتفاقية:

· المجال الأول: إجراءات التسليم حددت التفافية الجهات التي يتم عن طريقها تبادل طلبات التسليم إما من الجهات المختصة في الدول المتعاقدة مباشرة أو عن طريق وزارات العدل بها ومن يقوم مقامها، أو بالطريق الدبلوماسي.

ويكون طلب التسليم كتابة مرفقاً به أصل حكم الإدانة أو أمر القبض وبيان بالأفعال المطلوب التسليم من أجلها موضوعاً به زمان ومكان ارتكابها وتكيفها القانوني والنصوص القانونية المطبقة عليها. وكذلك أوصاف الشخص المطلوب تسليمه، وأية بيانات أخرى من شأنها تحديد شخصه وجنسيته وهويته وقد منحت الاتفاقية للسلطات القضائية في الدولة الطالبة الحق في ان تطلب كتابةً من الدولة المطلوب إليها حبس الشخص احتياطيا إلى حين وصول طلب التسليم.فإذا لم يقدم طلب التسليم مصحوباً بالمستندات سالفة الذكر، فإنه لا يجوز حبس الشخص المطلوب تسليمه مدة لا تذد عن ثلاثين يوم من تاريخ إلقاء القبض عليه. وفي جميع الأحوال لا يجوز أن تتجاوز مدة الحبس الاحتياطي ستين يوماً من تاريخ القبض. ولما كان الغرض من الحبس الاحتياطي هو ضمان ألا يهرب الشخص المطلوب تسليمه، فإن الاتفاقية أعطت للدولة المطلوب إليها التسليم الحق في الإفراج عنه إذا ما اتخذت التدابير الضرورية التي تحول هروب الشخص المطلوب .ً

· المجال الثاني: إجراءات الإنابة القضائية: ولأجل تحقيق فاعلية التعاون القضائي بين الدول الأعضاء، حرصت الاتفاقية على وضع إجراءات الإنابة القضائية ضمن نصوصها، محددة بياناتها والجهة المختصة بها، فطلبات الإنابة القضائية يجب أن تتضمن البيانات الآتية:

الجبهة المختصة الصادر عنها الطلب، موضوع الطلب وسببه، وتحديد هوية الشخص المعنى بالإنابة وجنسيته، بيان الجريمة التي تطلب الإنابة بسببها وتكييفها القانوني والعقوبة المقررة على مقارفتها (المادة 29).

ويوجه طلب الإنابة القضائية من وزارة العدل في الدولة الطالبة، إلى وزارة العدل في الدولة المطلوب إليها، وفي حالة الاستعجال يوجه طلب الإنابة القضائية مباشرة من السلطة القضائية في الدولة الطالبة إلى السلطات القضائية في الدولة المطلوب إليها، ويمكنه أن يوجه طلب الإنابة القضائية مباشرة من الجهات القضائية إلى الجهة المختصة في الدولة المطلوب إليها.

ويعد من أهم ما تضمنته الاتفاقية في هذا الصدد أن المستندات المرفقة بطلب الإنابة تعفى من كافة الإجراءات الشكلية التي قد يتطلبها تشريع الدولة المطلوب إليها، وأنه إذا رفضت الدولة المطلوب إليها طلب الإنابة القضائية، يجب أن يكون قرار الرفض مسبباً.

· المجال الثالث: حماية الشهود والخبراء:

ولما كانت جريمة الإرهاب في الجرائم التي غالباً ما ترتكب من قبل جماعة منظمة مما يبث الرعب في نفس كل من يكون لديه من معلومات يريد الإدلاء بها أمام القضاء، فإن الاتفاقية أخذت بمبدأ السرية بشأن الأقوال المعلومات التي يدلى بها أمام السلطات القضائية المختصة، سواء من الشاهد أو الخبير أو أسرته أو أملاكه للخطر الناتج عن الإدلاء بشهادته أو بخبرته،ومن أهم الإجراءات التي يتعين الالتزام بها :

أ‌- سرية تاريخ ومكان وصوله إلى الدولة الطالبة.

ب‌- كفالة سرية محل إقامته وتنقلاته وأماكن تواجده.

ت‌- كفالة سرية أقواله ومعلوماته التي يدلي بها أمام السلطات القضائية المختصة.

كما تتعهد الدولة الطالبة بتوفير الحماية الأمنية اللازمة التي تقتضيها حالة الشاهد أو الخبير وأسرته من أنواع المخاطر المتوقعة (المادة السابعة والثلاثون).

Aucun commentaire: