mardi 15 mars 2011

نبذة يسيرة عن الشيخ المجاهد عبد العزيز الثعالبي


اليوم سأصطحبكم في رحلة جميلة إلى الماضي القريب ، إلى شخصيات طبعت بصمتها على أوراق التاريخ . إلى من وضعوا نصب أعينهم رفع عزة أمتهم ، والدفاع عن أوطانهم. إلى زمن جميل تنامت فيه روح الحب والتكافل باسم ديننا الأعظم
وأنا أتصفح الجريدة كعادتي ، لمحت مقالا يتحدث عن نابليون بونابرت وأمجاده ، ثم يستعرض حملات المقاومة الوطنية التي كانت تقض مضجعه.
هنا أقف على مرور السنين الطويلة متذكرا تاريخ أمتنا في الكفاح والوطنية ، تاريخ أنجب شخصيات ما أعظمها ، جعلت الوطنية شعارا مقدسا منيرا خال من سياسات زمن البطون المنتفخة .
وصراحة السطور لن توفيهم حقهم.
لقد دارت الكثير من الشخصيات العظيمة في رأسي واحترت فيمن أكتب ، ليحسم أحد اصدقائي الموقف بقوله " حدّثنا عن الثعالبي ، فلقد ذكر على لسان أستاذنا البارحة ، ولقد أعجِبت ببطولات ".
ولا أخفيكم أعزائي أن هذه الشخصية تثير الإعجاب حقا والدروس المستفادة من أعمالها عميقة جدا.
ويسرني أن أعرض لكم اخواني هذا اليوم هذه الشخصية بشكل مركزا على نقاط مهمة مرت في حياتها ، ومحاولا أن أبتعد عن الرتابة التاريخية التي تسبب للقارئ مللا في المطالعة.

عبد العزيز الثعالبي
إنه رجل عربي من تونس ، ولد سنة 1874 ، وسافر في رحلة مليئة بالأشواك والعذاب ، واستمرت حتى عام 1944 ، وتوفي في تونس أيضا . وكانت رحلته الطويلة الشاقة بحثا عن كنز أجمل من الشمس . كان يسافر في ذلك الزمن الصعب ، المخنوق بكوابيس الإحتلال الفرنسي والإيطالي والبريطاني ، بحثا عن حبيبة اسمها : الوحدة العربية ، حيث العروبة والإسلام يشكلان مفهوما واحدا.
 وجاءت معاهدة الشؤم
وفي سنة 1881 ، عندما بلغ الطفل سن السابعة ، وقّع " باي تونس " المعاهدة الشهيرة التي تمنح الفرنسيين ما يريده المستعمر المحتل ، فقامت ثورات شعبية مسلحة كثيرة ، نال منها الفرنسيون أشد الأذى ، غير أن الذي يخيفهم ويقض مضاجعهم شاب ملتح ، خريج معهد الزيتونة الديني ، على الرغم من أنه لم يكن يحمل بندقية أو خنجرا ، بل كان يحمل بيده قلما ، أي قلم !!
سئل ذلك الشاب يومذاك : ماذا تعمل يا عبد العزيز ؟
 فأجاب : صحفيا ، عندما أنهيت دراستي في جامع الزيتونة أصدرتُ جريدة ، فأغلقها الحاكم العام الفرنسي بعد أيام ، فعدتُ وأصدرت جريدة ثانية ، فأغلقوها أيضا .
هذا الصحفي الشاب الفقير ، ذو النظارة الطبية ، كان يخيف الحاكم العام الفرنسي ، المعربد بقواته العسكرية ، وأجهزة الفتك والقمع الرهيبة التي تحت تصرفه ، لقد كان يخاف من كلام عبد العزيز الثعالبي ، لأن هذا البطل الوطني النبيل كان يعرف كيف ينبه الشعب إلى ألاعيب المستعمر ، ويفضح مؤامراته ، وهو يدعوا إلى مقاومة هذا المحتل الأجنبي ، وطرده من البلاد ، وهو يوقظ الناس إلى حقهم في الحياة الحرة ، " فتونس للتونسيين " ، " ونحن شعب حي ، وأحفاد أجداد عظام ، منا النبي العربي العظيم ، وعمر ، وعلي ، وسعد ، وخالد ، وصلاح الدين ، فكيف نرضى بأن نكون عبيدا ؟! " .
ولذلك كان من الطبيعي أن يغلق الفرنسيون جريدته ، غير أن هذا الرجل الصلب العنيد ، المصر على إصدار جريدة ثالثة ، فاجأهم من باب أكثر خطرا وإقلاقا ، جاءهم من باب الخطابة. . خطيب مُفوه
كان الرجل ذو الطربوش الأحمر واللحية العطرة يقف في أكبر ساحة بتونس ، ليلقي الخطابات الوطنية الحماسية الرائعة ، والناس الكثيرون الذين غصت بهم الساحة الواسعة يكبّرون ويصفقون ويهتفون : يحيى الوطن ، والنساء يزغردن في شرفات المنازل ، والأطفال يقدمون باقات الورد للخطيب العظيم ، والرجال يقولون : ما أحسن بلاغة هذا الرجل !! وما أجمل كلامه الذي يثير النخوة والحمية في القلب ، ويزيد الوعي والمعرفة في الفكر !! سبحان الذي وهبه هذه القدرة العجيبة على الخطابة البليغة . إن عبد العزيز الثعالبي يستطيع أن يستمر في الخطابة ست ساعات ، لا يتعب ، ولا يزل لسانه ، بل يظل يحدث الناس بأجمل الكلام : " ياقوم ، يا قوم ، كنتم خير أمة أخرجت للناس ، يا قوم ، يا قوم ، أنتم أهل الحضارة ورواد التقدم والحرية ، يا قوم ، يا قوم ..."
وأهل تونس يهللون ويكبرون ، ويهتفون بحياة الوطن ، وتعلو أصواتهم بعبارات التحية للخطيب المبدع ، والثناء عليه ، وبعضهم يلوح له بنسخة من الجريدة ، فالشيخ عبد العزيز ، قد نفذ قراره ، وأصدر جريدة ثالثة ، متحديا عساكر الأجنبي المستعمر الذين كان يسميهم " البشعين" ، داعيا إلى طردهم من البلاد ، وتحرير الوطن من سيطرتهم ، وتحقيق الإستقلال . والجريدة تتسع انتشارا ، يوما بعد يوم ، ورسائل الإعجاب تصل إليه من مدن تونس جميعها ، ومن المغرب والجزائر وليبيا . واصدقاؤه يخبرونه همسا بأن عين الحاكم العام قد احمرت عليه ، وأنه يزداد غضبا عليه ، وعلى جريدته وخطاباته ، وأنه لا بد أن يبطش به .

النفي من وطن إلى وطن
وذات مساء ، وبينما كان الثعالبي يؤكد لبعض أصدقائه : " إننا في تونس لسنا شعبا منعزلا ، بل نحن جزء من أمة كبيرة ، أمة عظيمة " ، داهم جنود الإحتلال البشعون الرجل وأصدقاءه ، في مكتب الجريدة ، وصادروا كل ما فيها ، وأغلقوها ، واعتقلوا الثعالبي وأبلغوه قرار الحاكم العام بنفيه إلى خارج وطنه ، إلى مصر .
ضحك الثعالبي وهو يقول : لو أن هذا الحاكم الأجنبي الأبله قرأ التاريخ ، وعرف من نحن ، لما قرر إبعادي إلى مصر ، فهو يظن أنه يقهرني إذ يبعدني عن وطني ، مع أن مصر مثل تونس ، وطني .
كان ذلك في عام 1901 ، أي عندما بلغ الثعالبي سن السابعة والعشرين ، كان شابا شجاعا عنيدا ، لا يمكن أن يصبر على " الإبعاد " ، فها هو يعود متخفيا ، بعد أقل من سنة ، إلى تونس ، ويقول لأصدقائه في المخبأ : أتدرون ما اكتشفت في مصر ؟ اكتشفت أننا لسنا وحدنا الذين نعاني مما نحن فيه ، فعندنا في تونس ظلم مماثل ، متجسد بالإستعمار الفرنسي ، وعندنا في مصر ظلم مماثل متجسد بالإستعمار البريطاني ، وفي القاهرة وفي أروقة الجامع الأزهر ، لقيت اخوانا عربا ، من سائر أقطار وطننا الكبير ، ومن أحاديثهم صرت واثقا كل الثقة ، من صحة نظريتي التي كنت أحدثكم عنها قبل سفري
يا إخواني : نحن العرب أمة واحدة ، العرب كل العرب أعني ، لا أبناء المغرب العربي فحسب
 والواقع أن رحلة الثعالبي الثانية لم تحدث إلا بعد ذلك بعشر سنوات ، أي في سنة 1911 ، عندما بدأ العدوان الإيطالي الهمجي على ليبيا ، وهب أهلها لمقاومة الغزو في معارك ضارية ، فقام الثعالبي يجمع المعونات والأموال والأسلحة من تونس ، ويرسلها إلى المجاهدين في ليبيا ، ويواصل طلبات التبرعات ، والناس يقدمون له أكثر مما يطلب . كان يقول لهم : إذا تمكن أبناء شعبنا في ليبيا من أن يحققوا استقلال بلدهم ، فهذا سيؤدي إلى تحقيق استقلالنا هنا في تونس ، لأن حرية أي قطر من وطننا الكبير هي دعم للنضال من أجل تحرير أقطار وطننا الأخرى ، وهذا شيء يدركه الأجانب جيدا .
محطة في باريس
وفي سنة 1919 كانت رحلة الثعالبي الثالثة ، فقد سافر إلى باريس هذه المرة . وعندما كانوا يسألونه : ماذا أخذت معك إلى باريس ؟
كان يجيب : أخذت معي كتابا عنوانه " تونس الشهيدة " ، كتبته باللغة الفرنسية ، حتى يفهمه الناس هناك . أردت أن يفهم أهل أوربا قصتنا ، مأساتنا ، الظلم المريع الذي ينزل بنا ، لقد قالوا : إنهم ـ بعد أن انتهت الحرب العالمية ـ يريدون عقد مؤتمر دولي رفيع ، يقررون فيه إحقاق الحق في كل مكان ، حتى يعم السلام في كل مكان ، فقلت لنفسي : إذن أحمل " تونس الشهيدة " ، وأسافر إليهم .
سؤال : وماذا جلبت معك من المؤتمر ؟
جواب : جلبت هذه القيود الحديدية التي تكبل يدي
قال الراوي : في عام 1919 أعيد الثعالبي من مؤتمر الصلح بباريس إلى تونس معتقلا مكبلا بالحديد ، وزج به في السجن
 حزب الثعالبي
 قال الراوي : وأسس الشيخ عبد العزيز الثعالبي حزبا وهو في سجنه بتونس ، وسمع الناس بمبادئ هذا الحزب ، فأعجبتهم كثيرا ، وأعلنوا إيمانهم بها . وكان من جملة المبادئ " العرب أمة واحدة ولا بد أن تتوحد "
كان ذلك في عام 1920 ، وأهل تونس يطالبون بالإفراج عن قائدهم الوطني العظيم ، ويزداد تعلقهم به يوما بعد يوم ، فينتسبون إلى حزبه أفواجا أفواجا ، فكان رد المحتلين بنفي الثعالبي من تونس ، وإبعاده عنها . كان ذلك في عام 1923 كان ميناء تونس يغص بالناس المودعين الغاضبين ، وفي النفوس اقتناع أكيد بأن الشيخ الثعالبي الذي يلوح لهم بيده فوق ظهر السفينة المغادرة ، سوف يعود خفية ، ويقود الحركة الوطنية ، ولكن السفينة التي بعيدا رست به في ميناء الإسكندرية بمصر ، ثم سافر الرجل ـ الشعلة ـ إلى فلسطين وسورية ولبنان والعراق والحجاز والخليج العربي واليمن .
ويسألون الرصافي أن يحدثهم عن الشيخ الثعالبي ، فيقول : إنه أعظم خطيب عرفته أمتنا العربية . ويسألون الشيخ عز الدين القسام أن يحدثهم عن الشيخ الثعالبي فيقول : إنه بطل عربي عظيم ، شارك معنا في الثورة المسلحة .
ويسألون عنه أهل دمشق فيقولون : الثعالبي ربط حركة التحرر الوطني في أقطار المغرب العربي بحركة التحرر الوطني في أقطار المشرق العربي .
ويسألون عنه أهل بيروت فيقولون : إنه طاقة فكرية رائعة ، وأن ذهنه الوقاد منارة وطنية ، سواء في مقالاته أو خطاباته أو أحاديثه الشيقة المفيدة
 ويسألون عنه أهل القدس ، فيقولون : الثعالبي دلنا على طريق قويم ، كفيل بالتصدي للمخططات الصهيونية وإفشالها ، وكم نصحنا بأن ننشيء في القدس جامعة إسلامية على غرار الجامع الأزهر بمصر!!
ويسألون عن أهل القاهرة ، فيقولون : الثعالبي ـ حسب علمنا ـ أول من نادى بتوحيد الأمة العربية من المحيط إلى الخليج
 . ويسألون عنه أهل تونس ، فيقولون : غاب عنا الثعالبي في رحلته الأخيرة ثلاث عشرة سنة ، حتى عاد إلينا على الرغم من أنف المستعمرين ، في عام 1936 ، عاد إلينا ليدعو إلى توحيد أقطار المغرب كخطوة لتوحيد المغرب كله مع بقية الأقطار العربية ، فكان جواب المستعمرين أن أرسلوا إليه من أطلق عليه النار غدرا 
س : وهل اغتالوه ؟
ج : نجا من الموت بأعجوبة ، وقتل بعض الذين كانوا حوله.
قال الراوي : في سنة 1944 توفي هذا المجاهد العربي الكبير في فراشه بتونس ، عليه رحمة الله .

Aucun commentaire: