mardi 17 mai 2011

الحبيب الأسود القيادي السابق للنهضة رفضت النهضة لما التقى زعيمها ببن علي.. ثم هاجر

http://www.assabah.com.tn/upload/HABIB-11108-05-2011.jpg

كونت تنظيما إسلاميا أخاف بن علي فأسكنني الرازي ـ الأستاذ والمهندس محمد الحبيب بن علي الحطاب الأسود هو احد الذين تمتعوا بالعفو العام الوارد في المرسوم عدد 1 لسنة 2011 المؤرخ في 19 فيفري 2011 وكان قد سجن بتهمة الاعتداء على امن الدولة الداخلي المقصود به تبديل هيئة الدولة وحمل السكان على مهاجمة بعضهم البعض بالسلاح وتحريض العسكريين على الانضمام إلى تنظيم ذي هدف سياسي...
والتحريض بالخطب والتوزيع على ارتكاب جرائم وتكوين جمعية غير مرخص فيها وحمل ومسك مستودع أسلحة وذخيرة وتم الحكم عليه في جلسة 29 اوت 1992 بالسجن بقية العمر من اجل الجريمة الأولى والثانية واعتبار بقية التهم مندرجة ضمن التهمة الأصلية وقد نفذ عليه بتاريخ جلسة الحكم بالسجن المدني بتونس.
التقته الصباح وهو بصدد الاستعداد لنشر كتاب عنوانه : "اختلاف أمتي رحمة أو الحركة الإسلامية في تونس رؤية من الداخل" فكان الحديث التالي.
حاورته : علياء بن نحيلة

صدر ضدك حكم بالسجن مدى الحياة فقضيت سنوات طوال وراء القضبان فهل فكرت يوما أو تخيلت ما حدث في تونس ؟

دخلت السجن في ظروف قاسية وصعبة وبعد التعذيب والتنكيل وأنا في زنزانتي كنت اشعر بحسرة وألم على أساس أنني انسب نفسي إلى دعاة الخير والفضيلة والحرية والكرامة فلما سجنت وسجن إخواني حسبت ان البلاد قد ضاعت تحت براثن استبداد بن علي وهذا شعور خاطئ لان دورة التاريخ مستمرة ودعاة الخير والحرية لا تنقطع حركتهم تحت أي ظرف كان. وعندما خرجت من السجن وجدت ان الخير في البلاد كثير وان بن علي لم ينجح في طمس هوية تونس وكرامتها رغم نشره لثقافة التمييع والتهافت على فتات الحضارة الغربية وكانت الثورة روح من الله سرت في عروق هذا الشعب العظيم فصرخت الدماء في عروق الشباب هلموا هلموا لمجد الزمن فأجابتها حناجر عالية وصدور عارية نموت نموت ويحيا الوطن وسقط الطاغية والحمد لله وهو أمر لم يكن في خلد أي كان من السياسيين والمفكرين أو حتى من العوام.

" حركة دعوية" أم سياسية وحزبية

الحركة الإسلامية بدأت تحت اسم الجماعة الإسلامية ثم الاتجاه الإسلامي وأصبحت النهضة وعرفت تقلبات وانقسامات ما كان دورك فيها أو تأثيرها عليك؟

الحركة الإسلامية هي وليدة تيار إسلامي قاده في بداية السبعينات علماء بررة نذكر منهم الشيخ محمد صالح النيفر والشيخ محمد الأخوة ولا ننسى الشيخ عبد القادر سلامة وهي حركة لا يمكن ان نحدد لها تاريخ ميلاد او ان ننسب لأي كان شرف تأسيسها وزعامتها فقد تهيكل هذا التيار في جماعة إسلامية سنة 1972 ويرجع الفضل في أول اجتماع لها للشيخ عبد القادر سلامة.
ثم تنظمت في حركة الاتجاه الإسلامي التي كنت واحدا ممن شاهدوا تأسيسها وهي حركة دعوية لا صلة لها بالسياسة ومجال عملها المساجد غير انه في ديسمبر 1980 انكشف تنظيم الحركة بالصدفة وبدأـ التلويح بمحاكمتها فعقدت مؤتمرا استثنائيا سنة 1981لدراسة الموضوع وقد أصرت بعض القيادات على إعلان الحركة كحزب سياسي حتى نفوت الفرصة على السلطة لكي لا تضرب الحركة وهي في السر فيكون ذلك أمرا خطيرا وأصر الأغلبية في ذلك المؤتمر على ان تبقى الحركة " حركة دعوية" لا سياسية ولا حزبية من منطلق ان العمل الإسلامي وقيادته وإتباعه ليسوا مؤهلين للعب ادوار الحكم والسلطة غير أن الشق الذي هو أقلية تغلب وأعلنت الحركة عن نفسها كحزب سياسي في 6 جوان 1981 واستمر نشاط الحركة سياسيا في الجامعة وفي النقابات وكذلك في الشوارع بالمسيرات المنادية بعداوة بورقيبة ولائكيته.
ولا ننسى ان جانبا من قادة الحركة كانوا يصرون على الانتماء إلى التنظيم الدولي للإخوان وقد أثار هذا الانتماء جدلا كبيرا داخل القيادات الوسطى والهياكل التنظيمية للحركة فلقد كان التوجه نحو حركة إسلامية تونسية لها خصوصيتها ولها تميزها ولا باس في الالتقاء مع كل الحركات العالمية في ما يخص الشأن الدولي إذا ما كان الأمر يخص مصلحة الإسلام والمسلمين والقضايا الساخنة كالقضية المركزية فلسطين وأيضا الشيشان ومسلمي الصين...
وكنت واحدا من قادة هذه الحركة ممن رفضوا الإعلان عن الحركة كحزب سياسي والتخلي عن صفتها "الدعوية " كما أنني واحد ممن رفضوا حركة النهضة لما التقى رئيسها ببن علي وتعهد للسلطة بعدم العمل على أسلمة المؤسسة الأمنية والعسكرية والتخلي عن الصفة الإسلامية التي توحي بان الحركة تحتكر الدين وان تغير الحركة اسمها إلى حركة النهضة وتحصّل بذلك رئيسها على جواز سفره وهاجر وترك المواجهة مفتوحة بين أبناء الحركة وآلة القمع الرهيبة.

في هذا الظرف كونت تنظيما خاف منه الكل ؟

رفضت هذا التمشي وكونت تنظيما اعتبرته امتدادا لحركة الاتجاه الإسلامي مما أثار حفيظة قيادة الحركة وانتابهم شعور بالخوف من هذا التنظيم الذي على حد قولهم يعمل للانقلاب ضد الحركة ثم الانقلاب على بن علي وقد أبلغتهم أنني وإخواني نحمي ظهورهم ولا نكن إلا الخير لكل إخواننا ما داموا يعملون لصالح تونس وشعبها ودينها، وأدارت السلطة آلة قمعها فاكتوى كلنا بنار التعذيب والسجن حتى أنني عام 2005 وبأمر من بن علي تم نقلي من السجن المدني بتونس الى مستشفى الرازي بمنوبة للتشكيك في قدراتي الذهنية وإذا ما تم إطلاق سراحي يكون إلى المستشفى وليس للحرية ولكن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

وكيف ترى موقف الحركة الحالي من حزب التحرير والسلفية الجهادية؟

كان نشاط حزب التحرير ومنذ أسسه تقي الدين النبهاني الذي جاهد ضد الاستعمار الانقليزي للأردن تحريريا والغريب ان مرجعيته الفكرية والعقائدية مجهولة لدى الباحثين والأكاديميين إلا ان نشاطه في تونس ينبئ عن رغبته في المساهمة الايجابية لتنشيط الحياة السياسية حتى وان كان رافضا مبدأ الديمقراطية فهو يطرح نفسه بوضوح ولا يبدل مبادئه قبله من قبله ورفضه من رفضه ولكن لا يجب ان نحمله ما يصنعه أعداؤه من تشويه وتضليل.
أما بالنسبة إلى السلفية الجهادية فان كان ظهور الحركة الإسلامية رد فعل حتمي على بورقيبة وسياسته اللائكية والتغريبية فان السلفية الجهادية جاءت كرد فعل عنيف ضد استبعاد بن علي ونشره للميوعة والفساد وإقصاء الدين فالكل مرجعيتهم سلفية وعلى النهضة ان تلعب دور الموفق ودور المرشد لكل هذه الحركات حتى تجنب البلاد الصدامات والانزلاقات نحو العنف والعنف المضاد وان تعمل على سلامة الوطن وتتحمل مسؤولياتها في أن لا يكون الإسلام السياسي سببا في ردة إلى الوراء حيث قطعت الثورة مع الاستبداد والعنف والإقصاء في تونس.

تحالف اليسار ضد المد الإسلامي: هل يعيد التاريخ نفسه؟

هناك خوف متبادل بين الإسلاميين والمتمسكين بالتيارات الحداثية التي تدعو لفصل الدين عن الدولة؟

عندما أقرأ المشهد السياسي الحالي يستحضرني المشهد السياسي في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات في الجامعة حيث كان اليسار الشيوعي بفصائله الماوية واللينينية والماركسية والألبانية قد هيمن واستبد على الطلبة بالعنف والسلاح وما استطاعت الجامعة ان تعيش نشاطا سياسيا حرا وتظاهرات ثقافية متعددة الا بعد فرض الاتجاه الإسلامي حضوره على الساحة.
هذه تجربة لا ينكرها احد فالإسلاميون لعلهم كانوا اقدر من غيرهم على احترام الديمقراطية والحريات الفكرية والسياسية والثقافية والذي يخيفني اليوم ان يتحالف اليسار كما تحالف بالأمس مع أعداء المد الإسلامي لكي يقصوا هذه الحركة الإسلامية أو تلك فإذا كانت اللائكية تعني لفظا واصطلاحا القوانين التي كانت تصدر عن غير الكنيسة لما كانت الكنيسة مهيمنة بالقوانين الالاهية الكاذبة التي يضعها رجال الدين ويتحكمون بها في شؤون دينهم ودنياهم فان الإسلام دين الجميع ليس فيه كهنة ولا رجال دين وليست فيه قوانين تصدر باسم الالاه فمنذ انقطاع الوحي بوفاة الرسول عليه الصلاة والسلام كل ما نسميه شريعة إسلامية هو اجتهادات اهل العلم والمعرفة في كل عصر لتيسير معيشة الناس وتيسير شؤون دنياهم بما يوافق القيم السمحة التي جاء بها الإسلام وتشريعاته في ما يخص المسائل الثابتة وغير المتغيرة في طبيعة الانسان وما جبل عليه فاللائكية لباس لم يعد لائقا طرحه في السوق حتى عند الشعوب الأوروبية نفسها ولا علاقة لنا بما في الكنيسة.

غياب برنامج واضح للنهضة وازدواجية خطابها وتنازلاتها للتأكيد على مدنية حزبها جعل منافسيها ومعارضيها يجادلونها في نصوص قرآنية بعضها ثابت وذو دلالات قطعية عوضا عن مناقشة برنامجها الخاص إلى أي مدى يصح هذا القول ؟

ان الإخوة داخل النهضة يعلمون علم اليقين أنهم غير مؤهلين لقيادة البلاد في هذه المرحلة وذلك لاعتبارات محلية ودولية وبما أن الخصوم يعرفون ان مرجعية الحركة هي الإسلام السياسي وبما ان الحركة لا تملك برنامجا سياسيا كغيرها من الأحزاب الأخرى فان الذي سيناقشها في ظل غياب هذا البرنامج سيناقش النصوص المرجعية وعلى أساس ذلك تجرأ الكثيرون على مناقشة نصوص قرآنية ثابتة وقطعية الدلالة عبر مناقشة قيادة الحركة وإحراجها حول " للذكر مثل حظ الأنثيين والحجاب وتعدد الزوجات" وهذه مسائل جاءت فيها نصوص محكمة لا يجوز لأحد تبرير ما جاء في القرآن لإرضاء الآخرين فعلى الحركة أن تنجز برنامجها في أسرع وقت حتى لا تظهر بمظهر الممثل الرسمي للدين وحتى لا يحاججها الناس بالقرآن فالقرآن حمال أوجه.

ما رأيكم في الثقافة التي تروج لها النهضة حاليا كحزب مدني هل انتم مقتنعون بها؟

حتى وان أصر قادة النهضة على تسمية حزبهم بالمدني وان كان ذلك جيدا فان الثقافة السلفية هي التي تقود توجهات أبنائها والثقافة السلفية إذا ما مارسناها ممارسة نيّرة متماشية مع الواقع الحضاري والسياسي الذي نعيشه فان ذلك سيعطي خصوصية للحركة أما التراوح بين المخزون السلفي والمعطى المدني العلني في صوره المتناقضة مع ثوابت فكر الحركة السلفية والاخوانية فان ذلك سيحدث إرباكا في فكر الحركة وثقافتها وذاك ما هو حاصل الآن في ما تمارسه "النهضة " في الثقافة والعمل السياسي عموما.

بوصفك ناشطا إسلاميا لأية ثقافة تنظّر وأيها تصلح للبلاد؟

ان الثقافة هي مرآة الحضارة التي تسود الشعب وفضاءاته الفكرية والفنية في كل أشكالها وان هذا الشعب له مخزون حضاري لا يخرج عن الإسلامية والعربية والإسلام قد أباح من حيث الأصل في كل أشكال الثقافة ( مسرح فنون تشكيلية ونحت وشعر وسينما وطرب ) كل ذلك في نظر المثقف الإسلامي حسنه حسن وقبيحه قبيح فكل ما يروق للنفس السوية من طرب وموسيقى وتصوير ومسرح وسينما وشعر وأدب فهو من تهذيب الأذواق وحسن المشاعر وما لا يروق لها فهو قبيح وخارج عن الذوق السليم فلقد كان في عهد رسول الله المغنية جميلة والحبش الذين يرقصون برماحهم وكان المسرح البريء واللهو لا تخلو منه بيوت الصحابة وأتباعهم بل ان الحركات الإسلامية أكثر الحركات السياسية التي مارست الثقافة بأشكالها المتعددة في كم من بقعة في الأرض خدمة لهموم الشعب أيام السلم وأيام الحرب.

النظام البرلماني والمؤسساتي: حل معقول

كيف ترى مستقبل تونس؟

لا أريد ان القي شعارات فضفاضة حول مستقبل تونس ولكن الثابت ان لا رجعة بعد اليوم للاستبداد السياسي والقمع وحكم البوليس رغم ما نشاهده اليوم من انفلات وفوضى فليس من السهل على ثورة شعبية ان تنتقل بسرعة من وضع الاستقرار والاستبداد إلى وضع نشاط وديمقراطية والذي أريد ان أؤكد عليه ان الحركة الإسلامية بتونس بكل أطيافها ستكون عامل تقدم ورقي ونماء سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي في صلب المجتمع سواء كانت اللاعب الأكبر في الحكم أو خلاف ذلك.
واضمن أنماط الحكم لتونس المستقبل النظام البرلماني والمؤسساتي الذي لا يسمح لأية مؤسسة مهما كانت قيادتها ان تستبد بالأمر وتقهر الشعب على اختياراتها فالكل في دولة تونس الجديدة سائل ومسؤول راد ومردود عليه ومحاسب من قبل الكل ومراقب من قبل الكل فلن يقبل الشعب بعد ثورته أن يستبد بأمره أي كان تحت شعار ديمقراطي أو علماني أو ديني.

أرشيف دار الصباح  الأحد 08 ماي  2011

Aucun commentaire: