dimanche 13 février 2011

ثورة باي الشعب


قاد علي بن محمد بن غذاهم ثورة أشعلت البلاد التونسية عام 1864 . و علي بن غذاهم هو ثوري تونسي لقب بباي الشعب و هو أبوه محمد يحل النزاعات و طبيب مات مسموما من قبل عامل الجهة المسمى العربي البكوش السهيلي ينحدر من أولاد مساهل من عرش ماجر و هي قبيلة بربرية الأصل.و كان السبب المباشر هو مضاعفة ضريبة الإعانة من 36 إلى 72 ريالا تونسيا لأن الباي أراد تغطية المصاريف الباهظة الناتجة عن سوء الإدارة و السرقة خاصة من قبل الوزير الفاسد مصطفى خزنه دار .
يوم 10 مارس 1864 وردت برقية من جان ماتيي العون القنصلي لفرنسا بصفاقس تفيد اتفاق القبائل عن الامتناع في دفع ضريبة الإعانة . و أرسل القنصل أن القبائل في حالة هيجان و سخط على الحكومة حتى أن أولاد بوغانم و الفراشيش أغاروا على أولاد يحي القاطنين بالقطر الجزائري.
انطلقت الثورة من جبال الظهري و امتدت للجريد و منطقة القيروان و انتشرت غرب الكاف و أدركت في شهر أفريل واد مجردة.ففي أقل من شهر كادت أن تعم الثورة كامل البلاد . و كثرت السفن المحملة بالبارود الأنڨليزي الآتية من مالطة رغم تحجير دخوله من السلطات الرسمية و كان أفراد العروش يشترونه من التجار اليهود و كثرت أيضا القوافل المحملة بالبارود و الرصاص و البنادق من مڨارين و كربيلات . و لاذ عمال الباي بالفرار و استولى الثوار على مطامير قمحهم.و في جلاص قاد الثورة شخص من “دار كبيرة” يقال له السبوعي بن محمد السبوعي و في رياح قادها بن دحر و في الغرب قادها شخص يعرف الكتابة و القراءة و هو علي بن غذاهم و تحصل على مباركة الزاوية التجانية اللتي كان لها نفوذ كبير في تلك الأيام.و كان يبلغ هذا الشخص 50 عاما في ذلك العهد و تلقى نصيبا من العلم في جامع الزيتونة .
قبيلته ماجر هي أول من أطلق عليه باي الشعب قبل أن يمتد نفوذه على القبائل المجاورة كعيّار و الفراشيش و ونيفة حتى صار الزعيم الأعلى للثوار و هو المفجر الأول للثورة. و لكم مقتطفات من بعض البقيات من القنصل الفرنسي:”أما بجهة صفاقس فإن المحلة اللتي يقودها سي سليم قد طوقها الثوار… وعلى الحدود التونسية الطرابلسية دارت معركة بين قبيلتي النوايل و ورغمة أسفرت عن سقوط 1300 بين قتيل و جريح… و مازالت قطعان الماشية الخاصة بالباي تتعرض للنهب…و مازال الإيالة في حالة غليان…و لم تسلم الضواحي القريبة من الحاضرة التونسية إذ أغار الثوار على ضيعة لخزنه دار فبددّوا ما بها و هذا ما حصل لقصر أحد الجنرالات على معنى الإنتقام منه لأنه أمر بقمع الثورة.”
و رجع أغلب العمال إلى قصر باردو فقد حالفهم الحظ في الإفلات من الموت المحتم باستثناء الجنرال فرحات عامل الكاف و أولاد ونيفة اللذي قتل في معركة بين تبرسق و الكاف دارت بينه و بين الثوار في 16 أفريل. و في 20 أفريل استولى الثوار على القيروان و أما في منطقة الساحل فقد امتدت الثورة للبوادي و القرى و بدأ سكانها في مناوشة المدن حتى أن سوسة اللتي كان بها 5 آلاف عسكري أصبح بها مائتين لاذوا بالفرار أما المهدية فسلبت في 25 أفريل لأنها بلا سور.
و أمام هذه الحالة فقد استدعى الباي و جماعته 3 آلاف من العسكر النظامي المتقاعد اللذين قال في حقهم براودلي:”انهم أقدر على زرد الصوف منهم على الوقوف في وجه أهل البادية التونسية البواسل. و للحد من روع البلاد أصدر الباي منشورا يجري العمل به مؤقتا في 21 أفريل يقتضي بإلغاء ضريبة المجبى و يوقف العمل بما جاء به عهد الأمان. فيما أرسل الفرنسيون و الأنڨليز و الإطاليون سفنا حربية لسواحل الإيالة التونسية لإنقاذ و حراسة الأوربيين.و لاذ بالفرار عدد كبير من الأوربيين معهم عدد آخر من الأتراك من الموظفين محملين بأموال مسروقة نذكر منهم القائد نسيم و هو القابض العام للحكومة التونسية بعد أن سرق 20 مليون ريال.
و في شهر ماي أصاب الثورة شيء من الركود و لكن كثر التعصب الديني و الكراهية للأجانب و المسيحيين و حتى ضد الأتراك رغم أنهم مسلمون. و في المدن الساحلية تحركت جموع من الغاضبين نحو الأحياء المسيحية فأمعنوا في سلبها و رفضوا سلطة الباي عليهم في خوف منهم لنزول الجيوش الأوربية. فنهبت صفاقس في 30 أفريل و هرب الأوربيون الى سفنهم و رفع الثوار فيها العلم الأخضر و نادوا بسقوط الباي و أهانوا مبعوثه و هددوه بالقتل.
و في سوسة فقد حافظ الكاهية سي أحمد بن عاشور المشهور بحزمه على أمن المدينة مستعينا بالمدفعية و أرسل الباي وزير الحرب محمد خزنه دار لمنطقة الساحل اللذي رغم ملاطفته للأهالي فإته لم ينجح سوى في تجنيد بضع العشرات . و لكن يوم 31 ماي سقط سوسة بيد الثوار و افتكوا مفاتيح القصبة و أبواب المدينة فهرب جميع الأوربيون و رفعوا العلم الأخضر اللذي يرمز للجهاد. و أما سكان المنستير فحافظوا على الهدوء و امتنعوا عن دفع الضريبة. و بالنسبة لليهود فالكعادة فإنهم بقوا على الحياد دون أن يدخلوا أنفسهم في الأمر و ازدادت مرابيحهم نتيجة بيع السلاح و الذخيرة للثوار. و نسجت المهدية على منوال المنستير. و ڨابس نهبت يوم 28 أفريل أما جربة فنهبت يوم 3 جوان.
و لكن انتهت الثورة بخسارة للثوار بإضعافها بسبب عدم توحدهم أو تنظيمهم . فما أن حلّ الصيف حتى كثرت المنافسات الفرعية بينهم و تعددت الغارات بين القبائل و انهكوا نتيجة المعارك اللتي خاضوها ضد قوات الباي. و بدأت القبائل بإلقاء السلاح نتيجة تفشي أخبار المذاكرات اللتي فتحت مع حكومة الباي.و انتهز المستسلمون حالة الفوضى لاشفاء ما في صدورهم من غل نحو جيرانهم من المنافسين لهم . و نذكر أن جماعة من جلاص بطش بها اولاد سعيد إثر إغارتهم على عرش موالي لهؤلاء الآخرين فإذا بعرش جلاص ينقض بقضّه و قضيضه على أولاد سعيد فيهزمهم شر هزيمة . فما كان من عروش السواسي و المثاليث و بني زيد إلاّ أن جمعوا خمسة آلاف فارس للأخذ بثأر أولاد سعيد و الإنتقام من قبيلة جلاص و أنصارهم من الهمامة . و كان المثاليث مستعدون لإعلان الطاعة للباي إذا تركهم ينهبون صفاقس دون أن يخشوا عقابا.و سكان المدن من جهة أخرى و خاصة الأغنياء أصبحوا يريدون الإنصياع للباي بشرط أن يساندهم في قمع سكان الأرياف اللذين دائما ما أقلقوا راحتهم.و هكذا أصبحت الثورة فوضى عارمة أصبح كل طرف فيها يريد التحالف مع الباي.
و أملى الثوار على أنفسهم جملة من التدابير لإنهاء الثورة و هي إعلان العفو العام و الشامل لكل من شارك في العصيان و خفض أداء العشر لنصف مقداره و تسمية عمال من أبناء البلد عوض المماليك أي العبيد اللذين يؤتى بهم من أوربا الشرقية بعد تعليمهم.
و إبطال العمل بالدستور و إلغاء المحاكم اللتي انتصبت سنة 1861 إلغاءا نهائيا.
وفي هذه الفترة كان الباي يحضر لتشكيل جيش . لكن المجندون القدم رفضوا الإنظمام لقاء الأجر الزهيد أما المجندون الجدد فكانوا يلوذون بالفرار مدججين بأسلحة الباي فلم يكن تحصيل شيء خاصة من منطقة الساحل اللتي كانت تساهم بالعدد الأوفر من الحصة العسكرية.و الألوية الثالثة و الرابعة فرت عن بكرة أبيها حسبما قال الكميدان ريتشي و لم يبقى للباي سوى ألفي جندي.
و في أواخر جوان استطاع الباي تجميع أربعة ألاف جندي من العسكر الغير النظامي يقودهم صهر الباي الجنرال اسماعيل السنّسي إلا أن هذه المحلّة ذهبت كأمس الدابر جراء الفرار.
و أكد دوبوفال في رسالة موجهة إلى دوروين دولوي في 23 جويلية 1864 أن المحلة لم تستطع اجتياز 13 ميلا غرب الحاضرة تونس فانخفض عددها من 4000 إلى 2000 فلم تعد تشكل تهديدا لأحد. بيد أن السنسي صار ببطء إلى ان وصل الى باجة في أواخر جويلية لكن بعد أن عان الأمرين من الثوار اللذين نهبوا قوافل هذه المحلة.
غير أن بن غذاهم اللذي أحس بأفول نجمه لم يرفض الآمان اللذي عرض عليه فاهتم بجني عدة منافع له و لذويه.ففي 26 جويلية 1864 حضر أربعمائة من المشائخ و الأعيان لتقديم فروض الطاعة بإسم 14 عرشا من عروش الشمال الغربي مشترطين فقط خفض المجبى لعشرة ريالات و حط النصف من أداء العشر . أما بن غذاهم فطلب لنفسه هنشيرا كبيرا إسمه هنشير الروحية و لأخيه عبد النبي على عمل ماجر و لأتباعه تسميتهم كمشائخ على رأس عدة عروش.
و قد بادر إلياس مصلي بإعلان دوبوفال قنصل فرنسا يوم 28 جويلية 1864 أن أربعة عشر عرشا جنحت للسلام و أن بن غذاهم انقلب إلى أهله في ماجر.بيد أن القنصل لم يشأ أن يصدق الأنباء و أخبر دوروين دولوي أن الثورة مازالت في عنفوانها و أن صفوفهم التحمت و بن غذاهم اللتي اتهمته حكومة الباي ببيع ذمته ما زال على رأس الثوار و الدليل هو اهتمامه بعقد اجتماع في القيروان مع ثلة من قادة العروش.
إلا أن سفيرا أنڨلترا و إيطاليا أعلنا انتهاء الثورة. لكن خزنه دار لم يهنأ له بال إلا إذا أدب الثوار فتوجه نحو الساحل لجمع محلة إلا أن العسكر القدامى تجمعوا في الحاضرة معلنين غضبهم فرجع خزنه دار لتونس فجمع منها و من ضواحيها جماعة من الرعاع و أسماهم عسكر زواوة و كان سكان العاصمة يتوقعون من كل شر و يخافون من سلوكهم العنيف. و كانت المحلة تتكون من 2600 رجل تساندها ثمانية مدافع تحت قيادة الجنرال احمد زروق اللذي هو صنيعة خزنه دار.
فأخذت بالسير ببطء منذ أوائل سبتمبر نحو سوسة حتى أنها قضت قرابة الشهر لتسلك المسافة بين حمام الأنف و هرڨلة رغم أنها لا تزيد عن التسعين ميلا.و لم تواجه قتالا طوال هذه المدة.
بيد أن قدوم المحلة زاد الطين بلة فانظم أهالي القرى الى الثوار و من جملتهم المساكنية اللذين هجموا على سوسة فأطلق عليهم النار و قذلئف المدافع.
و كان الثوار يسدون الحنايا اللتي تأتي لسوسة بالماء و يضربون السور كل ليلة و من حين لآخر تطلق عليهم قذيفة مدفعية تبدد جموعهم و لم يمنع الحصار خروج السكان لقضاء مثار بهم و دام الحال 15 يوم فمل الجانبان من هذه الحرب الضيقة فتوحد أهالي القرى الكائنة بمنطقة الساحل و تركوا الشجارات خلفهم اثر شعورهم بقرب قدوم المحلة.
و انتهز عرش جلاص المنتمي للحزب الحسيني الفرصة ليجتاح القرى الموالية لمساكن القرية تلوى الأخرى بينما استنجدت هذه الأخيرة بالمثاليث للتنكيل بأهل القلعة الكبرى اللذين أبوا الانضمام للثورة.
و ليحمي الجنرال زروق القلعة الكبرى خرج من هرڨلة يوم 5 أكتوبر فما لبث أسبوعا حتى تصادم مع جماعة من القلعة الصغرى فهزمهم دون عناء و لحق بهم إلى قريتهم فأمسكهم و أباح نهب القرية بعد أن افتكها عنوة .
و مع أن شق العصاة المناصر لتلك القرية يعد 5000 مقاتل و لديه بعض قطع المدفعية إلى أن الجنرال زروق لم يشأ في النزال .
و ذلك لأن المساكنية أسرعوا إلى قريتهم لحمايتهم مبجلينها على حلفائهم . و من الغد أقبل الجميع وحدانا و زرافات طالبين للأمان و اقتدت بهم عدة قرى.
و أمكن للجنرال زروق دخول سوسة دخول الفاتحين الغزاة يجر ورائه أسراه مكبلين بالسلاسل و الأغلال و جاب كامل المنطقة فنزع السلاح بالقوة و تجبر على العزل و نفذ جرائمه المشهورة.
و بعد سقوط منطقة الساحل فلقد بدأ الباي بحملة الزجر لإرجاع الأمور إلى نصابها فظلت هذه الحملة مدة فصل الخريف و جانب من الشتاء بين 1864-1865 فبعث الباي محلة بها 4000 آلاف جندي و ذلك لأن علي بن غذاهم أراد إشعال الثورة من جديد فجمع عددا كبيرا من انصاره من عددة عروش يناهز عددهم 4000 مقاتل و هاجموا عرش جلاص اللذي استنجد بالباي.
و رغم إعلان العفو عن الثوار الا أن بن دحر و هو قائد رياح سلمه أحد شيوخ الزوايا فضربه حرس الباي بعصا ألف مرة , نساء القصر تنظرن إليه من الشرفات و تظهرن الشماتة له و من ثم ألقي في السجن شبه حي.
و في أوائل جانفي دارت معركة قرب تبسة بين أنصار علي بن غذاهم و قوات محلتين اندمجتا ببعضهما منظمة اليهم قبيلة جلاص اللتي تريد الأخذ بثأرها.
لكن الثوار دخلوا الى التراب الجزائري آمنين و أما قوات الباي فمنعتها القوات الفرنسية من الدخول . و بإذن من الجنرال د يماك ماهون فرضت الإقامة على بن غذاهم و أخيه عبد النبي مع عائلتهما أولا بقسنطينة ثم في قبيلة أولاد عبد النور اللتي لبثوا فيها حتى 1866.
فيما كان قائد المحلة المسمى الجنرال رستم ينفذ عملياته العسكرية في غرب البلاد و يحكم بالإعدام على العصاة و يصادر المكاسب فقد أذاق الجنرال زروق سكان الساحل ألوانا من العذاب لازال يذكرها سكان المنطقة إلى يومنا هذا منها الضرب المبرح بالعصي و الإعدام و التقييد بالسلاسل و الأغلال. و فرض هذا الجنرال غرامات فادحة لا تفرضها حكومة على رعاياها بل يفرضها الغالب على المغلوب في الحرب.
جنى موظفو الدولة من جهة الساحل 5 ملايين ريال وضعوها في جيوبهم و 23 مليون ريال لخزينة الدولة. فطهّر الجنرال زروق المنطقة فأقفرت و جفت مواردها فمن أسرف في الحلب حلب الدماء.و فرض على المرابين اليهود الساكنين في تلك المدن و القرى أن يقرضوا المدانين الأموال بفائض يتجاوز 40 بالمائة.و مثلا في قرية بومرداس في وطن المنستير اللتي لا تظم سوى 68 من المطلوبين بالمجبى فرضت عليها غرامة حربية تقدر بمائة ألف ريال.و قد زاد الربا اليهودي جهة الساحل خرابا على خراب.
وفي شهر أفريل سنة 1865 بعث 300 من الشيوخ و الأعيان و في رقابهم السلاسل و عذبوا في القصر كالعادة أمام النساء. و لكن في جويلية من 1865 استأنفت الاشتباكات بحدة أكبر من ذي قبل و أحرق الثائرون 25 غابة على الحدود التونسية الجزائرية. و لكن الحكومة التونسية لم تتخذ أي إجراء و اتهم كاهية الكاف سي صالح بن محمد فرنسا بإثارة الشغب.
كانت حكومة الباي وقتها تمقت فرنسا و بدأت معها في سياسة الوخز فأطلقت يد العصاة على الجالية الفرنسية و لم تعوض الفرنسيين عن الأذى الحاصل لهم في محاولة يائسة للحد من النفوذ الفرنسي و تقليص تدويل القضية التونسية. و لكن بعد إرسال التهديدات للباي باحتلال الإيالة تراجع هذا الأخير و دفع 400 ألف فرنك لتعويض الفرنسيين في الثورة فسلمت الحكومة الفرنسية علي بن غذاهم في فيفري من سنة 1866 و أعدم بسجن حلق الوادي في 10 أكتوبر سنة 1867 .






ثورة علي بن غذاهم - لجون غانياج

Aucun commentaire: