mercredi 30 mars 2011

دور الشيخ عبد العزيز الثعالبي في الدفاع عن القدس وفلسطين





إنه مجاهدٌ كبيرٌ، وعلمٌ من أعلام الوطنية والإصلاح، وداعيةٌ من أبرز الدعاة إلى العروبة والإسلام في عصره الذي تميز بظهور عدد من العمالقة الذين وقفوا في وجه الطوفان القادم مع الاستعمار الغربي، احتلالاً للبلاد، وتشويهاً لقيم العروبة والإسلام، وتدميراً للنفوس بتدمير أخلاقها، وغزواً ثقافياً عمل على تخريب المجتمعات العربية والإسلامية، بإحلال قيم مكان قيم، ونهب الثروات، وإفقار الناس..
إنه من جيل الرواد الذين ظهروا في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين وهو جيل فريد في تكامل شخصيته.. فهو جيل السياسة، والجهاد، والاقتصاد، والإصلاح الديني والاجتماعي، جيل التضحية بكل شيء في سبيل المُثُل التي يدافع عنها، والأرض التي احتلها الأجنبي، والشعب العربي المسلم الذي يستذله ويضطهده.

كان الشيخ عبد العزيز الثعالبي مجاهداً فذاً يقاتل على أكثر من جبهة، وفي أكثر من ميدان.. يقاتل طغياناً غربياً شرساً متوحشاً لا يرحم، وتحمّل في جهاده هذا الكثير من الأذى، اعتقالاً، وتعذيباً، ومحاكمات، ونفياً، ومصادرة، وتشويهاً للسمعة، ولم يعبأ بما أصابه من ألوان الإيذاء، لأنه يجاهد في سبيل الله، ومن أجل هذه الأمة، من أجل دينها، وقيمها، وأرضها، وثرواتها، وكرامتها.


المولد والنشأة:

ولد الشيخ عبد العزيز الثعالبي في مدينة تونس عام 1874م في أسرة علم وفضل ودين وجهاد، ومن أصل جزائري، وترعرع في رعاية جدّه المجاهد عبد الرحمن الثعالبي الذي كان من مجاهدي الجزائر ووجهائها المعروفين، فتخلّق بأخلاقه، وتشبّع بمبادئه وقيمه.


كان جدّه عبد الرحمن هذا، مجاهداً قاتل الفرنسيين الذين غزوا بلاده (الجزائر) عام 1830 وأصيب برصاصات في صدره، وكان له دور متميز، رفض إغراءات كبيرة حاول الاستعمار إغراءه بها، كمنصب قاضي القضاة، ثم غادر مدينته (بجاية) إلى تونس، مخلّفاً وراءه بيته وعقاره وأمتعته، وأهله، ووطنه.


حفظ عبد العزيز القرآن الكريم منذ نعومة أظفاره، ودرس النحو والعقائد والآداب قبل أن يلتحق بجامع الزيتونة الذي أمضى فيه سبع سنين، وتخرج فيه عام 1896 حاملاً شهادة التطويع، ثم تابع دراسته العليا في المدرسة الخلدونية، ثم انخرط في الحياة العامة، مجاهداً في سبيل الله، كما كان جدّه، ومن أجل النهوض بشعبه التونسي، وأمته العربية والإسلامية.


 دور الثعالبي في الحركة الوطنية في تونس


غزت فرنسا البلاد التونسية بجيش قوامه ثلاثون ألف مقاتل، واضطر (الباي) إلى توقيع معاهدة (باردو) وإعلان الحماية على البلاد في 12/5/1881 ولم يعترف الشعب التونسي بهذه المعاهدة، وهبّ يدافع عن أرضه وكرامته، ولكن الوحشية الفرنسية نكلت به، حتى اضطرته إلى الهدوء لأنه لم يعد من الممكن له الاستمرار في المقاومة المسلحة، ولكن إلقاء السلاح لا يعني السكوت على الاحتلال والاستعمار، فقد اضطلع عدد من العلماء والمفكرين والسياسيين بالعمل السياسي لتحرير الوطن، وكان في طليعة هؤلاء الشيخ عبد العزيز الثعالبي رحمه الله.


وقد اعتبره الفرنسيون عدوهم الأول، وحق لهم ذلك، فمنذ أن غزا الفرنسيون بلاده التونسية وهو في السابعة من عمره، لم تفارق ذاكرته ما وعته من ذلك الاجتياح الهمجي لجيش همجي جاء ليحتل ويقتل وينهب ويغتصب ويسكر ويعتدي على الحرمات، كما لم ينس الدموع التي غسلت لحية جده المجاهد، وهو يرى الفرنسيين يحتلون تونس، بعد أن احتلوا بلده الجزائر.


وذات مساء ، وبينما كان الثعالبي يؤكد لبعض أصدقائه : " إننا في تونس لسنا شعبا منعزلا ، بل نحن جزء من أمة كبيرة ، أمة عظيمة " ، داهم جنود الإحتلال البشعون الرجل وأصدقاءه ، في مكتب الجريدة ، وصادروا كل ما فيها، وأغلقوها، واعتقلوا الثعالبي وأبلغوه قرار الحاكم العام بنفيه إلى خارج وطنه ، إلى مصر .   

 

ضحك الثعالبي وهو يقول : "لو أن هذا الحاكم الأجنبي الأبله قرأ التاريخ ، وعرف من نحن ، لما قرر إبعادي إلى مصر ، فهو يظن أنه يقهرني إذ يبعدني عن وطني ، لكن مصر مثل تونس، وطني".

   
كان ذلك في عام 1901، أي عندما بلغ الثعالبي سن السابعة والعشرين ، كان شابًا شجاعًا عنيدًا، لا يمكن أن يصبر على " الإبعاد " ، فها هو يعود متخفيا ، بعد أقل من سنة، إلى تونس، ويقول لأصدقائه في المخبأ: أتدرون ما اكتشفت في مصر؟ اكتشفت أنّنا لسنا وحدنا الذين نعاني مما نحن فيه، فعندنا في تونس ظلم مماثل، متجسد بالإستعمار الفرنسي ، وعندنا في مصر ظلم مماثل متجسد بالإستعمار البريطاني، وفي القاهرة وفي أروقة الجامع الأزهر، لقيت اخوانًا عربًا، من سائر أقطار وطننا الكبير، ومن أحاديثهم صرت واثقا كل الثقة، من صحة نظريتي التي كنت أحدثكم عنها قبل سفري . يا إخواني : "نحن العرب أمة واحدة، العرب كل العرب أعني، لا أبناء المغرب العربي فحسب" .


وبعد انتهاء الحرب، استأنف الثعالبي نضاله، وسافر إلى باريس لشرح قضية بلاده، فقبضوا عليه سنة 1920 وكانوا ينقلونه بين السجون التونسية والفرنسية، ثم نفوه من البلاد في آب 1923.


آمن الثعالبي بالعمل الجماعي، فانخرط في حركة تونس الفتاة التي تدعو إلى الاستقلال التام قبل كل شيء، ثم رأس حزب الدستور الذي اتخذ خطة أقل وضوحاً من خطة حركة تونس الفتاة، ولعل قادة حزب الدستور كانوا يرون في هذا الغموض سياسة تسمح لهم بقطع مرحلة يتمكنون فيها من إعادة تـنظيم أنفسهم.


كانت حياته السياسية حافلة بالأحداث الجسام، فقد أمضى زهرة عمره بين السجون والمنافي والمحاكم والرحلات. فهذا الصحفي الشاب الفقير، ذو النظارة الطبية، كان يشكّل حالة قلقٍ مستمرٍ للاستعمار الفرنسي، إذ كان يعرف كيف ينبه الشعب إلى ألاعيب المستعمر، ويفضح مؤامراته، ويدعــو إلى مقاومة هذا المحتل الأجنبي، وطرده من البلاد، ويوقظ الناس إلى حقهم في الحياة الحرة ، فنحن شعب حي، وأحفاد أجداد عظام.


قضايا الأمة

لم يكن الشيخ عبد العزيز الثعالبي ليحصر همه فيما يعانيه وطنه المستعمر فحسب بل كان يحمل هموم الأمة على عاتقه، ويسعى إلى تقديم ما يستطيع من عون ومساعدة لها، وهذا ما نلمسه في حياته ورحلاته ومذكراته وكتاباته ومحاضراته.


فقد وقف إلى جانب ليبيا في حربها مع الاستعمار الإيطالي عام 1911، ودعا إلى تقديم العون العسكري والمادي والمعنوي لها. وكان له حضوره في قضية الأقصى بشكل كبير إذ حضر مؤتمر القدس، وصار المستشار الأول للمفتي الحاج أمين الحسيني، وألقى محاضرات سياسية، ودروساً دينية فيها، ودعا الفلسطينيين عامة، والشباب منهم خاصة، إلى الإعداد والاستعداد والجهاد من أجل التحرر من ربقة الاستعمار الإنكليزي، والتصدي للخطر اليهودي القادم من أجل استعادة مجد الأمة وعزتها، وكان في خطابه ومسيرته صاحب عقل وثقافة واسعة، استطاع من خلالها مخاطبة العامي والمتعلم، حتى وصفته الصحف الفلسطينية بأنه ابن خلدون الجديد.  وليس هذا الوصف بكبير على رجل مفكر عملاق يقف في صف واحد مع الأفغاني، ومحمد عبده، والكواكبي وسواهم من العمالقة الكبار.


قالوا في الثعالبي:


كان الثعالبي حاضرًا في قلوب العظماء كما الجماهير، فهذا الرصافي يتحدث عنه فيقول: "إنه أعظم خطيب عرفته أمتنا العربية"، وهذا الشيخ عز الدين القسام يخبر عنه قائلاً: "إنه بطل عربي عظيم ، شارك معنا في الثورة المسلحة".

ويطري عليه أهل دمشق فيقولون: "الثعالبي ربط حركة التحرر الوطني في أقطار المغرب العربي بحركة التحرر الوطني في أقطار المشرق العربي". ويتحدث عنه أهل بيروت فيقولون : "إنه طاقة فكرية رائعة، وأن ذهنه الوقاد منارة وطنية ، سواء في مقالاته أو خطاباته أو أحاديثه الشيقة المفيدة" . 

 

ويروي عنه أهل القدس، فيقولون: "الثعالبي دلنا على طريق قويم، كفيل بالتصدي للمخططات الصهيونية وإفشالها، وكم نصحنا بأن ننشيء في القدس جامعة إسلامية على غرار الجامع الأزهر بمصر". وأهل القاهرة  يقولون: "الثعالبي أول من نادى بتوحيد الأمة العربية من المحيط إلى الخليج". أما أهل تونس  فيقولون : "غاب عنا الثعالبي في رحلته الأخيرة ثلاث عشرة سنة ، حتى عاد إلينا على الرغم من أنف المستعمرين، في عام 1936، عاد إلينا ليدعو إلى توحيد أقطار المغرب كخطوة لتوحيد المغرب كله مع بقية الأقطار العربية، فكان جواب المستعمرين أن أرسلوا إليه من أطلق عليه النار غدرا".


ولعل من أهم الشهدات بحقه شهادة رئيس المؤتمر الاسلامي بالقدس مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني:
"...ولا نغالي إذ قلنا أنّ حضرته أصبح بفضل علمه الغزير، وجهاده المنقطع النظير، رجل المسلمين والعرب لا رجل تونس الخضراء وحدها، وإنّ لسيادته الفضل الأكبر في القيام بمهمّة هذا المؤتمر الاسلامي العامّ، الّذي نرجو منه الخير لهذه البقاع المشرّفة في هذه البلاد المقدّسة للمسلمين عامّة".

                                      رسالة إلى اعضاء الحزب الحرّ الدستوري 18اكتوبر 1931


ويضيف في رسالة اخرى:"وأنتم أدرى الناس بانّ من غايات المؤتمر الّذي لكم الفضل الأكبر في إنجاحه، أن يشكّل مركز اسلامي يعضد العالم الاسلامي"    رسالة إلى الثعالبي 20 يناير 1932.


المؤتمر الاسلامي بالقدس ودور الثعالبي في انعقاده للدفاع عن القدس الشريف .



انعقد المؤتمر الاسلامي ببيت المقدس ليلة الاسراء والمعراج المباركة في 27 رجب 1350هـ الموافق ل 7 ديسمبر 1931 ودُعي إليه أعيان وكبار العالم الاسلامي في جميع الأقطار، ليُنظر في شؤون المسلمين عامّة، وللدفاع عن اسلاميّة بيت المقدس وعروبته مع تزايد التهديدات الصهيونية لفلسطين والقدس، وقد  لقي المؤتمر معارضة بريطانية شرسة، وحملة صهيونية كبيرة لمنع انعقاده .


ورغم ذلك نجح الحاج أمين الحسيني، ومعه عبد العزيز الثعالبي من تونس ، وشوكت علي من الهند في جمع مئة وخمس وأربعين شخصية إسلامية من اثنين وعشرين بلدًا في المسجد الأقصى المبارك، وفي ليلة الإسراء والمعراج المباركة .


ومن أبرز الشخصيات التي حضرت المؤتمر  العلامة الشيخ رشيد رضا ، وشيخ الأزهر محمد الحسين آل كاشف الغطاء الذي أم المسلمين في الصلاة في المسجد الأقصى، والسيد محسن الأمين، والشيخ أحمد رضا، والشيخ أحمد عارف الزين، من علماء جبل عامل. وشاعر الهند الفيلسوف محمد إقبال .. وغيرهم كثيرون.

أهداف المؤتمر:

كان طبيعيًا بوجود مثل هذا الحشد من الشخصيات الفاعلة في العالم الإسلامي، أن يتحول المؤتمر في بيت المقدس، إلى مؤتمر لبحث الحالة العامة للمسلمين في مختلف بقاع العالم الإسلامي، وهذا ما انعكس في مداولات المؤتمرين وقراراتهم .


وقد كان من أهم مقررات المؤتمر آنذاك المحافظة على البقاع المشرّفة بشتى الوسائل، والتّصدّي لكلّ مؤامرات الصهاينة لتهويد القدس، وانتخاب لجنة خاصة تطوف على جميع الملوك والأمراء والأثرياء المسلمين لجمع التبرعات على أن يسمى الذين يتبرعون بمبالغ وافية:" حماة المسجد الأقصى"، وتنقش أسماؤهم في لوحات تعلق في المسجد. وتقرّر كذلك، إنشاء جامعة إسلامية عليا في القدس تفي بحاجة المسلمين في دينهم ودنياهم، وتسمى جامعة المسجد الأقصى الإسلامية، وقد وصلت تبرعاتٌ عديدةٌ إلى الحاج أمين ، بهدف إنشاء الجامعة المذكورة ، إلا أن سلطات الاحتلال البريطاني عطلت المشروع، وضغطت على العديد من قادة الدول الإسلامية، لوقف دعم المشروع.


ومما أُثِر عنه قوله: "وانعقاد المؤتمر سيكون في الواقع ضربة قاصمة لظهر الصهيونيّة ومعطّلا لنشاطها، لأنّ أولى غاياته ستكون المحافظة ليس على بقاعها المقدسة فحسب بل وعلى كلّ شبر من أراضيها، وإنجاد الفلسطينيين بكلّ المقوّمات اللازمة لجهادهم ضدّ كلّ سطوة استعماريّة وسيكون كلّ عضو من أعضاء المؤتمر لسان صدق في قومه وبلاده ينذرهم بالأخطار الّتي تهددّ الإسلام.. وبذلك تكتسب القضيّة الفلسطينيّة صبغة إسلاميّة عالميّة وتصير فلسطين قبلة الأنظار في العالم الاسلامي باسره" الثعالبي (عبد العزيز): خلفيات المؤتمر الاسلامي بالقدس، دار الغرب الاسلامي، ص30.


وقد استنكر المؤتمر قرار لجنة البراق الدولية، السماح لليهود بأداء الطقوس أمام الحائط في الأعياد اليهودية، مؤكدًا الاستمرار في الاحتجاجات ضد الهجرة الصهيونية، وضد السماح ببيع الأراضي لليهود مع احتفاظ فلسطين بحق تقرير مصيرها بنفسها.


المؤامرة ضدّ المؤتمر ومساعي الثعالبي لإحباطها والدّفاع عن انعقاده:


ما أن سمع الصهانية باقتراب موعد المؤتمر حتى بدؤوا بحياكة شباك المؤامرات والدسائس بهدف إفساد المؤتمر بأي وسيلة، وقد كان أعقد مؤامرة حيكت يومها - والبلاد تحت حكم الإنكليز والفرنسين – أن دعاة المؤتمر يهدفون إلى جعل الخلافة في بيت المقدس، وذلك لتأليب الاستعمار على المنظمين والمدعوين، فبدأت جريدة "البالسين بوليتين" الصهيونية تنشر الأخبار المرجفة بأن شوكت علي – زعيم من زعماء الهند -  يسعى لجعل الخلافة في بيت المقدس وذلك بجلب الخليفة السلطان محمد وحيد الدين إليها إلاّ أنهم تفاجؤوا أنّ هذا الخليفة كان متوفًا. ومع ذلك عادوا وصححوا غلطتهم بعد ذلك بوضع اسم الخليفة عبد الحميد الّذي خلع في مارس 1924، ونشطت شركات البرقيات اليهوديّة وروتر وغيرها من الوكالات لإذاعة هذا الهذيان وتناقلته عنها الصحف الأخرى في جميع الأقطار حتى بات من القضايا المسلّمة أنّ مهمّة المؤتمر أصبحت مرتبطة بإيجاد خليفة للمسلمين واتّخاذ فلسطين مقرّا لهذه الخلافة.


وهنا كان الدور الريادي لعبد العزيز الثعالبي لتكذيب هذه الدعاوى وعقد المؤتمر وإنجاحه وقد تجسّدت مساعي الثعالبي في عدد من اللقاءات والمقالات والرسائل الّتي رام من ورائها تصحيح النظرة للمؤتمر ومنها يمكن أن نذكر ما يلي:


"أمّا مسالة المؤتمر فقد عني بها منذ أكثر من سنتين والجهود لم تزل مصروفة في سبيل عقده، وخصوصًا حين ظهرت مسألة البراق الشريف، وقد نضجت أخيرًا، وحضرت أكثر الجلسات التي عقدت لوضع القانون الاساسي للمؤتمر وبرنامج أعماله واشتركت فيها وأؤكد لكم تأكيدا قاطعًا أنّه لم يشهد هذه الجلسات أحد من إخواننا المصريين، ومولانا شوكت علي نفسه لم يكن عضوًا في اللجنة التحضيريّة ولم يحضر إلاّ جلسة واحدة، ولم يدرْ قطّ في الجلسات الّتي تكرّر عقدها مدّة شهرين كلامٌ ما على الخلافة الاسلاميّة أو من هو الّذي يتولّى أمرها...
وأستطيع أن أصرّح لكم لا عن نفسي وحدي بل وعن الاصدقاء الكرام الّذين اشتركوا في مداولات اللجنة التحضيريّة، أنّ مسألة الخلافة لا تشغل أفكارهم، ولن يكون لها ذكر في المؤتمر القادم الّذي سيشتغل بالنظر في الوسائل الفعّالة لحفظ البقاع المشرّفة في فلسطين وصيانتها، وكذلك بوضع مؤسسات لإيجاد ثقافة اسلاميّة عالية تمدّ المسلمين بكلّ ما يحتاجون إليه من علوم وفنون وكتب وتغذيتهم روحيّا وعقليّا بكلّ ما تقوم به نهضتهم الاجتماعيّة الحديثة، وكذلك التفكير في ايجاد موارد ماليّة للإنفاق على هذه المشروعات وتقوية الروابط الاجتماعيّة بين المسلمين.. وكلّ ما يقال غير ذلك فهو من قبيل الروايات الخياليّة الّتي يحكيها الدعاة الصهيونيون، ويقصدون بها افساد المساعي لعقد المؤتمر وكذلك إحداث قلق في أفكار البعض من الدول الاسلاميّة الّتي لا يسرّها فتح الباب للكلام في مسالة الخلافة في الوقت الحاضر" لقاء مع جريدة المقطع في عددها الصادر يوم السبت 24 اكتوبر 1931


وفي اجتماع الاستاذ الثعالبي بفضيلة شيخ الأزهر الشيخ الاحمدي الظواهري لمحاولة تصحيح موقفه من المؤتمر وتوضيح أهدافه وغاياته يقول الثعالبي في هذا السياق:" المطالب الّتي ستعرض على المؤتمر وهي الّتي دعي من أجلها الانعقاد منها حراسة جدار البراق وتثبيت أقدام العرب في فلسطين بواسطة تقرير مشروع شراء الارض ووقفها على وجوه البرّ والدفاع عن وقفيّة سكّة حديد الحجاز وإنشاء جامعة المسجد الأقصى واحداث ثقافة اسلاميّة عالميّة .."

وهنا تكلّم الشيخ في صيغة حازمة عليها مسحة من الندم فقال:" ما مضى مضى فلا عتاب ولا ملامة وسآمر الآن بوقف الحملة".

وكانت نتيجة هذه الجهود المبذولة من عبد العزيز الثعالبي وغيره من الاشراف الغيورين على عزّة الوطن المتصدّين للهجمات الصهيونيّة على الاراضي العربيّة النجاح في عقد المؤتمر وتمرير أهدافه.


وفاته:

توفي المجاهد الكبير عام 1944 بعد حياة حافلة بالكفاح، لم يذق خلالها طعم الراحة، ولا سعى لمصلحة ذاتية، فقد أعطى كل ما وهبه الله لقضية بلاده، ولقضايا العرب والمسلمين، وقد كان كما وصفه العلامة محمد الفاضل بن عاشور:
"برز الثعالبي بعد الحرب العالمية الأولى، بما له من ماضٍ في السياسة والإصلاح الديني والاجتماعي، فبعث معالم النهضة التونسية، وأصبح زعيم النهضة المطلق". رحمه الله رحمة واسعة.

Aucun commentaire: