samedi 7 mai 2011

تصريحات الراجحي: أيّ مَخرج؟؟؟ من المُخرج؟؟؟

بقلم نصرالدين بن حديد


إضافة إلى بعدها السياسي المقصود أو غير المنشود وكذلك إسقاطاتها المباشرة أو القادمة، تشكّل تصريحات السيّد فرحات الراجحي دليلا صادقا وتبيانًا أمينًا لما هي عليه الساحة السياسيّة من حالة صحيّة، سواء نظرنا إلى المشهد [أو هي اللعبة] ضمن جدليّة التفاعل/الصراع السياسي القائم أو مجرى الأحداث المتسارع في الشارع التونسي.
الرجل فجّر قنابل من العيار الثقيل، ثمّ عاد ولعق بعضها وحاول تفسير البقيّة على هواه، في مسعى لنزع فتيل لم يكن [ربّما] يرغب في إشعاله أو [ربّما] لم يكن يدري ما للانفجار من قدرة تدمير لبعض ما استطعنا تشييده من ورق مقوّى لا يستطيع الصمود أمام النسيم، فما بالك بانفجار بمثل هذه الطاقة.
حين نضع هذه التصريحات تحت مجهر التحليل السياسي، نجد الرجل قد عجز أو هو فقد القدرة على فهم أبجديات السياسية ليس من باب التقديم والقدرة على التحليل، بل ـ وهنا تكمن الخطورة ـ في القدرة على تقبّل الواقع والتفاعل معه، حين تأتي السياسية [في أبسط تعريفاتها] "القدرة على تسيير الواقع والتفاعل معه ضمن تحقيق أفضل المكاسب". كذلك تأتي الممارسة السياسيّة ذات بعد عقلاني مباشر، حين يخلّف النزوع بها إلى العاطفة [مهما كانت الأسباب نتائج وخيمة]...
سقط السيّد فرحات الراجحي ومعه [أو من وراءه] كمّ غير قليل من الأتباع والمريدين [قد ادّعى بعضهم أنّهم من "النخب"] ضمن حضيض عاطفي مباشر يستدّر طوبائيّة مرضيّة ويستدعي [أو هو يتسوّل] عواطف جيّاشة... ليس للسياسية أن تكون عديمة الأخلاق ومنعدمة العاطفة، بل وجب أن نميّز في وضوح، بين عاطفة الاستناد، التي يأتي الوازع الوطني جزءا مؤسّسا لها من جهة، وبين الممارسة السياسيّة التي تستدعي قدرًا مطلقا من القراءة الموضوعية للواقع...
عجز السيّد فرحات الراجحي عن التمييز بين مقام العاطفة وموقع العقل، وهو من حاول النفاذ إلى السياسة، أو بالأحرى إلى ممارسة الفعل السياسي، من خلال طوبائيّة التهريج الركحي، الذي استطاع بفعل ما راكمنا ـ خلال سنوات بن علي من ألم ـ أن يمثّل المتنفّس أو هو النقيض... إلاّ أنّ هذا النقيض بقي على مستوى المرجعيّة والممارسة أبعد ما يكون عن العقل... كانت فانطازيا الفعل [بالمفهوم المسرحي] التي سعت لتجسيد "الأخلاق" في بعدها المنزوع عن سياقه... جاء الراجحي إلى وزارة الداخليّة وتكلّم عندما نطق، كمن يقدّم فعلا مجرّدا من سياقه أكثر منه رجل السياسية الذي ينخرط في استناد إلى الأخلاق في جدليّة التراكم المبني على المشروع العقلاني...
أخطر من تصرفات السيّد فرحات الراجحي ذاتها، هذه الجموع السائرة خلفه من أشباه السياسيين وقد تأبطوا هذه الأقوال وجعلوا منها "مقدّسا" لا يقبل التأويل وقد شرعوا أو هم يسعون ـ كمثل طائر الفينق ـ أن يعيدوا إحياء "الثورة من رمادها"... عقدة "النبيّ" في أعلى درجاتها، حين ينبري "المنقذ/المهدي" من خلف الصفوف، ليملأ البلاد عدلا وإحسانًا وقد ملأها "أعداء الراجحي" ظلمًا وجورًا...
تراوح بين مقدّس [ذواتهم] ومدنّس [من عاداهم] يفسّر ـ حين نستند إلى علم النفس السريري ـ بعض مصائب هذه البلاد، ونفهم أنّ الساحة السياسيّة [ولا أستثني أحدًا] تحتاج إلى مستشفى للأمراض العقليّة تملك القدرة على تخليص الإبريز، على حدّ قول ذلك الذي زار باريس...
الساحة السياسيّة برمتها أظهرت ـ بما لا يدع للشكّ ـ عجزًا مرضيا، ليس عن أداء الدور وتقديم المطلوب، بل ـ وهنا الطامّة الكبرى ـ عن فهم ما يدور، حين لم يكن المطلوب الفهم، بل تلبية بعض العقد النفسانية التي عانت منها هذه الطبقة ولا تزال منذ زمن بن علي.
التحركات العنيفة التي جدّت في البلاد وتلت تصريحات السيّد فرحات الراجحي، وقد نادى بعضها بالثورة وغيرها من العبارات المنمّقة، تعجز ـ هذه التحركات ـ عن ستر عورة عهرها سوى بشعارات بغت منها المزايدة والركوب، حين هي عاجزة بفعل ذاتها عن المراكمة والتأسيس... نسأل هؤلاء في بساطة: هل كانت كلّ هذه الطاقة في ترقّب السيّد فرحات الراجحي ليفجرها؟؟؟ وما أنتم فاعلون بهذه "الطاقة" إن لم تكن هناك هذه التصريحات...
من العار، أن يدّعي البعض عذريّة سياسيّة في سوق الدعارة المفتوحة على مصراعيها، حين نرى الجواسيس من كلّ حدب وصوب، يمارسون الانتداب في وضح النهار وعلى الأرصفة، وقد انخفضت "أجور الخيانة" بفعل هذا العرض الجاري كالسيل أمام سفارات وجمعيات لم تكن تستنكف الكشف عن طلباتها مباشرة...
لم تعد الساحة السياسيّة تحتاج إلى سياسيين، فقد أثبت السيّد فرحات الراجحي أنّنا في حاجة إلى "مسرح" إغريقي، تمتزج فيه الدراما الساخرة بالكوميديا الدامعة... فقط علينا أن نوزّع "الأدوار"، لنسأل عمّن يحرّك الخيوط من خلف الستار؟؟؟


في زمن الرئاسة "المؤقتة" والحكومة "المؤقتة"، تسقط فيه البلاد في مستنقع "دائم"... تلك "مسرحيّة" أخرى... نعود إليها قريبًا... 



Aucun commentaire: