mercredi 11 mai 2011

الاستهداف الأمريكي للعرب ومواجهته على الصعيد الدولي

 
وصل الاستهداف الأمريكي للعرب إلى حدود العدوان الخارجي لترسيخ النفوذ الأجنبي وهدر الإمكانية العربية وإضعاف الذات القومية واستغلال الثروات والموقع الاستراتيجي، وبدا العدوان جلياً منذ موالاة الكيان الصهيوني في فلسطين عام 1948 إلى استمرار الحماية الأمريكية لهذا الكيان في الحروب ضد العرب عام 1956 و1967 و1973 وداخل لبنان وفلسطين من وقت لآخر، واعتدت أمريكا على ليبيا عام 1986، وألحقتها بالأذى الشامل في فترة الحصار الطويلة، ثم حاصرت العراق، وحاربته حتى الاحتلال عام 2003، والتسلط على المصائر القومية العربية مثل التدخل المعلن والمباشر في أوضاع سورية حتى يومنا هذا، واتجه الاستهداف الأمريكي للعرب إلى حدود العدوان الداخلي أيضاً من خلال ممارسات سياسية نذكر منها، الانتقال من العولمة إلى الهيمنة، وحق التدخل السافر، والحرية العمياء في مسارات الدمقراطة، والشرق الأوسط الكبير والتصهين، والتحكميات الأمريكية بمنظمات المجتمع المدني، والتحكميات بالثقافة بعامة، وبقضايا التنوع الثقافي بخاصة. وأتناول في هذا البحث بعض هذه الممارسات.‏
1 ـ من العولمة إلى الهيمنة:‏
رسّخت الولايات المتحدة الأمريكية العولمة لتهميش استقلالية الدول وإخضاعها لتحكميات المتسيدين على قوة السلطة وأسلحتها العديدة، ولا سيما السلاح التقليدي والنووي والاقتصاد والمعلوماتية والاتصالات..الخ، وتعالت هذه التحكميات لتأطير القطبية والاستتباع والاستغلال للدول الأضعف إثر نهاية الحرب الباردة في نهاية الثمانينيات، فقد تغلبت أمريكا على قطبية الاتحاد السوفيتي خصماً إيديولوجياً، ونقلت الثقافة المتبوعة إلى الثقافة المعولمة لتستمر السيطرة السياسية والاقتصادية على الشعوب الأخرى، «وتنسج علاقة تبعية بين ثقافات هذه الشعوب والثقافة العربية»(1).‏
واستند الاستهداف الأمريكي للعرب على العولمة التي تتجاوز الخصوصيات الثقافية والقومية والوطنية والسياسية، ولا سيما معاداة العروبة والإسلام لشيوع إكراهات الهوية عسيرة التحقق في ظل الضغوط والاشتراطات الأمريكية من أجل سيرورة العولمة سبيلاً للهيمنة، وقد وصف محمد مقدادي العولمة سيفاً واحداً على رقاب كثيرة نحو تحول «أمريكا إلى إمبراطورية تمتلك ذراعاً عسكرية طويلة ورادعة، وباعاً اقتصادية متمرسة وقادرة، وقامة سياسية شامخة تتكئ بها على كل الذين يلتقون معها إما خوفاً من نفوذها واحتكاماً لمنطق ضع رأسك بين الرؤوس، أو طمعاً في استرضائها والعيش في ظلالها كالفطر الضحل وأعشاب السرخس الرخوة»(2)، ثم سمّى مقدادي هذه الهيمنة هيكلة الموت(3) التي تقوم بها أمريكا على الدول الصغيرة، عند انتظام العولمة في محور الشر الكامن في التهديد لهذه الأول وعداء أمريكا للثقافات وسياسات صندوق النقد الدولي وانتشار العسكرية والسلاح الأمريكي وحال أمريكا الساعي لقيادة العالم والسيطرة على شعوبه وثرواته على الرغم من عسر أوضاعها الداخلية.‏
وسميت عولمة الهيمنة عولمة قهر الولايات المتحدة للعرب والمسلمين قبل وبعد أحداث أيلول 2001، من خلال أطروحات أمريكية مسيسة لخدمة مصالحها باسم «الديمقراطية وحقوق الإنسان والليبرالية وإطلاق حرية السوق»، وبات التهكم من أحوال العرب والمسلمين مروعاً في مثل هذا العالم، فمن الممكن أن يكون مصير العرب أفضل بكثير من حال الأيتام في مأدبة اللئام، إذا واجهوا سراب حلمهم بتأثير أمريكا(4).‏
وهذا هو شأن العولمة الداعمة للاستهداف الأمريكي على العرب والمسلمين الذي بلغ حدود الكشف عن الهيمنة الطاغية والجائرة اعتماداً على مطالب باعثة على الشجن القومي والخشية من إسقاط هذا النظام أو ذاك. وأفاد عزمي بشارة أن أمن «إسرائيل» استراتيجية أمريكية إثر تصاعد مخاطر «اللوبي» الصهيوني وبلورة المحافظين الأمريكيين الجدد.‏
2 ـ حقَّ التدخل السافر:‏
لا يماري أحد اليوم في أن استعمال «حق التدخل» أو «واجب التدخل» تعبير فظ عن الشرعية الجائرة، فقد شهد تطبيقه انحرافات لا تخفى عن أهدافه الإنسانية في المساعدة والعدالة والسلام، كما هو الحال في فلسطين ونيكارغوا وبنما والعراق ويوغسلافيا وليبيا وأفغانستان.‏
وبلغ التعنت الأمريكي أقصى التعسف في حالتي العراق وليبيا، واليوم في سورية، وزاد غلواء هذا التعنت ذلك التماهي الذي يكاد يكون مطلقاً مع قرارات الشرعية الدولية، وليس في النتيجة إلا قرارات الولايات المتحدة، ويكشف عن مدى فداحة انتهاك حق التدخل ذاته، ما أذيع إثر اتفاق عنان ـ عزيز، بأقل من أسبوعين، إن مشروع الاتفاق أملي على الأمين العام للأمم المتحدة من وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك، قبيل سفره بيوم واحد. ولعل تصريح الرئيس الأمريكي كلينتون حول مناقشات مجلس الأمن بالنظر في نتائج الاتفاق، بأن ذلك لن يمنع الولايات المتحدة من ضرب العراق إذا رأت ذلك موجباً، ومن ذا الذي يحدد الموجب أو حدود التدخل؟ ليست الأمم المتحدة بل هو الولايات المتحدة حسب تصريح الرئيس الأمريكي علانية وجهاراً. وهل علينا أن نتذكر أن هذه الوقائع جرت قبل سنوات، وتمارسها اليوم الولايات المتحدة مستخدمةً الأمم المتحدة لتسويغ إرهاب الدولة على بقية دول المعمورة، ويتكشف ذلك علانية في تقرير ميليس.‏
ولعلنا نستذكر مثالاً آخر صارخاً لاستلاب قرار الشرعية الدولية من قبل الولايات المتحدة، في استمرار الحصار على الشعب الليبي زمناً، على الرغم من قرار محكمة العدل الدولية القاضي بحقها النظر في قضية لوكربي ومحاكمة المتهمين الليبيين. ويعيد هذا التدخل السافر القضية إلى جذورها حيث جعلت الولايات المتحدة «حق التدخل» المثار لحماية السلام والأمن الدوليين حقاً لها، ضاربة عرض الحائط بحقوق الإنسان، وبالقانون الدولي، وبالعلاقة المتاحة بين التنظيم الدولي والتنظيم الداخلي للدول في مجال حقوق الإنسان، وفي صلب ذلك، على مستوى إنساني، نفي حق المتهمين في محاكمة عادلة، وعلى أرض تضمن مثل هذه المحاكمة العادلة ضمن القانون الدولي الحافظ لاستقلالية الدول واحترامها، والقاضي بالتعاون فيما بين هذه الدول في إطار الشرعية الدولية، ولا شك في أن القانون البريطاني والأمريكي يضمن للمتهمين، شركات وأفراداً مثل هذا الحق، فلماذا يمنع ذلك على المتهمين الليبين من قبل؟‏
واليوم تُتهم سورية، وأفراد منها، وتستمر أمريكا في الضغوط عليها فيما هو خارج عن الشرعية الدولية، وفيما هو متحكم بحق التدخل السافر لخدمة المصالح الأمريكية، ومن يتحالف معها.‏
وفي صلب ذلك أيضاً، على مستوى وطني وقومي، مُدّت القضية الإنسانية إلى قضية سياسية، لاتهام شعب بكامله، ومحاصرته، والثأر منه، ليصبح النظام العالمي الجديد، نظام قوة للولايات المتحدة بتماهيها مع الشرعية الدولية متصرفاً أوحد، بحق التدخل. وكل ذلك باسم القوة، من أجل الاستفادة من ثروات هذه الدول وإمكاناتها ومكانتها.‏
ليس «حق التدخل» جديداً في القانون الدولي، فهو يعود إلى أكثر من ثلاثة قرون من الزمن، حين ظهرت بوادر نظام مؤسس على قواعد قانونية وضعية جماعية في معاهدة وستفاليا (1648) لأول مرة، مما أباح التدخل ضد الدول التي تخلّ بالتوازن الدولي، أو تهدد السلم القائم بين الدول. ثم جرت «قوننة» حق التدخل، ووضعت له المعايير والاشتراطات والحدود، وبخاصة ما يتصل بموافقة الدول التي يجري التدخل فيها أولاً. وتطور مفهوم «حق التدخل» مع بوادر هذا النظام العالمي الجديد حين جرى ربطه بالمساعدات الإنسانية من جهة، وبإقرار الأمن والسلم في المجتمع الدولي من جهة أخرى في نهاية عقد ثمانينيات القرن العشرين، غير أن ممارسته، خلال العقدين الأخيرين، فاقمت انتهاكات حقوق الإنسان، دون أن تحرّك الشرعية الدولية ساكناً، وفي مقدمة هؤلاء المنتهكين الكيان الإسرائيلي ضد العرب بعامة والفلسطينيين بخاصة، بينما مورس حق التدخل من أجل بعض المعارضين في هذه الدولة أو تلك، وهي أسباب معلنة زائفة، إذ يموت مئات الألوف من الجوع والمرض ولا يتدخل أحد، وكأن حق التدخل غطاء باسم الشرعية الدولية، لدوام هيمنة استعمارية جديدة.‏
إن الذاكرة الإنسانية مفجوعة بالوقائع المريعة للاستعمال الضار لحق التدخل، ولا غرابة أن تعلو الصيحات الغاضبة هنا وهناك، من أن حق التدخل مفهوم غير محدد، لأنه يكيف وفق «إملاء» قانون القوة، فلم يعد بذلك قوة للقانون الدولي، ولأن حدوده تنتهك لمصلحة «المتدخل»، مما يبعث التشكيك في أهدافه الإنسانية، وفي جدواه لحماية المجتمع الدولي. هل نتذكر التدخل المخفي في أفغانستان الذي آل إلى سلب هذه الدولة استقلالها لتكون بيد أعوان الولايات المتحدة، أو المعلن في الصومال «حملة الأمل» المخفقة التي كشفت زيف الذرائع الأمريكية على الرغم من لبوس هذا التدخل غطاءً من الأمم المتحدة، أو يوغسلافيا «ممرات السلام» وخروج القوات الأمريكية دون أن تمنح الأمل، أو تحقق السلام باستثناء سلب هذه الدولة أيضاً استقلالها وتجزئتها وانقساماتها المأساوية، وتعيين حاكم لها من الأعوان الأمريكيين.‏
ومن المؤسي، أن بعض الدول الأوربية، في بعض الأوقات، تتحالف مع القطب الأعظم على سربلة الشرعية الدولية في رداء هذا القطب الأعظم، وهذا ما فعلته فرنسا إبان حرب الخليج الثانية، حين كلفت في حكومتها وزيراً للمساعدة الإنسانية، وهي لم تحدث على سبيل المثال مع العراق على الرغم من صدور قرار مجلس الأمن رقم 688، وعلى الرغم من تصريح برنار كوشنر نفسه بأن حق التدخل الإنساني قيمة في القانون الدولي. ولا شك في أن حق التدخل صار إلى تدخل أمريكي سافر، عسكري في جوهره، لأراضي العراق الشمالية عام 1991، وبلغ ذروته بالتهديد بالحرب ضد العراق بحثاً عن أسباب تسوغ المصالح الأمريكية التي لم تتحقق في سياستها إلا بالاحتلال.‏
وما يزال حق التدخل أقرب إلى ممارسة عدوانية جائرة للشرعية الدولية في ذلك التماهي الظاهر للعيان بين الأمم المتحدة والولايات المتحدة، وإن بدت الولايات المتحدة حلفاً ظالماً مع دولة أوربية أو سواها أو أكثر، كما هو الحال مع تسييس قضية لوكربي ومنع المتهمين الليبين من محاكمة عادلة على أرض تضمن ذلك المطلب الإنساني. وثبت فيما بعد براءتهم، بينما ما تزال الضغوط الأمريكية على ليبيا قائمة، إذ اتهمت أمريكا ليبيا اتهاماً في غير محله، على أنها تشكل مصدر قلق في مجال انتشار الأسلحة غير التقليدية وأنظمة إطلاق الصواريخ الباليستية، وأنها تمتلك بنية تحتية نووية متواضعة ترتكز على مفاعل أبحاث قدرتها 10 ميغا واط (حراري) وذي تصميم سوفياتي، حسب مصادر أمريكية(5)، وشُكك في أن ليبيا تسعى إلى التسلح بقدرات نووية على الرغم من اتفاقيتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 1980، وأبانوا أن ليبيا حاولت تطوير وإنتاج أسلحة كيماوية تسمح بشن حرب بيولوجية. وصرح جورج بوش في 19 كانون الأول 2003، مع طوني بلير، أن ليبيا وافقت على التخلي، تحت الرقابة الدولية، عن برامج الأسلحة غير التقليدية، وعلى المشاركة في الحرب ضد الإرهاب، وصرحت الحكومة الليبية في اليوم نفسه، أنها تتعهد بتفكيك عناصر برنامج الأسلحة النووية، ومكافحة أسلحة الدمار الشامل، والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومن ينظر في هذه التفاصيل يدرك أن ليبيا حريصة على نزع السلاح والأمن الدولي.‏
ومن يتأمل سيرورة العلاقات الأمريكية ـ الليبية خلال العامين الأخيرين يلاحظ أيضاً تشبث أمريكا بالهيمنة على النفط بالدرجة الأولى، فقد أعلنت ثلاث شركات نفط أمريكية في نهاية كانون الأول 2005 أنها تستأنف عملياتها في ليبيا بعد غيبة دامت تسعة عشر عاماً بـ1.8 مليار دولار، وربط المسؤولون الأمريكيون موقفهم بقرار الزعيم الليبي التخلي عن أسلحة الدمار الشامل، وأشاروا إلى أن ليبيا تحتاج لبذل مزيد من الجهد فيما يتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية ومكافحة الإرهاب، وهي اتهامات جائرة لتسويغ مفاوضات شركات النفط الكبرى معها، وأشارت دراسات معهد الشرق الأوسط الأمريكي (في العدد الثامن 28 أيار 2005) إلى أن ليبيا بعد خمسة وثلاثين عاماً تمرّ بمرحلة حاسمة في العلاقات الليبية ـ الأمـريكية، وابقت عقبات أساسية تعوق عملية الانفتاح في هذه العلاقة، وفي مقدمتها استمرار وجود ليبيا على لائحة الإدارة الأمريكية للدول الداعمة للإرهاب على الرغم من التطورات السابقة المعترف بها، وفشل الحكومة الأمريكية حتى الآن في فتح مكتب استخراج تأشيرات سفر من ليبيا للولايات المتحدة، ويسبب هذا التأخير إعاقة التعاون الليبي الأمريكي في المجالات الثقافية والتجارية والسياسية مما يؤكد أن أمريكا المتسلطة تتحكم بطبيعة العلاقات مع الدول، وتسّير حقّ التدخل وفق مصالحها، بدليل تغييبها للتمثيل الدبلوماسي على مستوى السفراء بين واشنطن وطرابلس، كما ورد في دراسات معهد الشرق الأوسط أيضاً. ولعل تصريحات الرئيس القذافي في 3/10/2005 إشارة إلى هذه التحكميات كقوله «إن التعاون بين بلاده والولايات المتحدة، ليس فيه عاطفة، بل مصالح متبادلة وخوف وأمن متبادل في مجال مكافحة الإرهاب، بما في ذلك تسليم وتبادل المطلوبين والإرهابيين»، وتم ذلك بالفعل بين البلدين، وأوضح الزعيم الليبي القذافي الحاجة إلى أمريكا لئلا تعادي ليبيا على الرغم من موافقتها على دفع تعويضات لأسر ضحايا طائرتين فرنسية وأمريكية، ولم تنقطع أمريكا عن ضغوطها على ليبيا ضمن آلية حق التدخل، وقد ذكر البيان المشترك عن لقاء رايس بوزير الخارجية الليبي محمد عبد الرحمن شلقم أهمية الإصلاحيات الديمقراطية وحقوق الإنسان في ليبيا.‏
ولا يخرج ما يحدث الآن من تماهٍ بين الولايات المتحدة، قطب الإرهاب، والأمم المتحدة، وهو ينسرب في مدّ العدوان إلى تهديد مباشر لكل الدول الأخرى التي لا تدور في فلك هذا القطب الإرهابي، ناهيك عن أن استخدام حق التدخل بالنسبة لأفغانستان والتلويح به بالنسبة للعراق، ثم احتلال العراق، مطية لدوام النهب الاستعماري للثروات الطبيعية في دول الجنوب ولاسيما النفط.‏
وبلغت الممارسة الأمريكية لحق التدخل ذروتها في القرارات، متماهية على الإطلاق مع الأمم المتحدة، ضد سورية عن غير حقّ، واستعمالاً لدعاوى ظالمة تهدد سورية بالعقوبات والعدوان ما لم تستجيب للرضوخ الأمريكي إزاء فلسطين ولبنان والعراق، وهي قضايا تغطي على مطاليبها، وتفضح مصالحها بلبوس جريمة اغتيال الحريري.‏
ولدى إمعان النظر في تقرير ميليس قانونياً وقانونياً دولياً، يظهر تحليله أن هذا التقرير ذاته مشتبه به، على أن النتائج المعلنة للتحقيقات في جريمة اغتيال الحريري لم تأت بالحقيقة، مثلما بان جلياً أن التقرير لا يخرج عن سياسات أمريكا في استخدام قوتها وهيمنتها لحقّ التدخل السافر في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ويؤيد ذلك التطورات الأخيرة التي بدأت فيها أمريكا إلباس حقّ التدخل مصالح أخرى لها عند انكشاف مشكلات عديدة لاحتلال العراق وسواها.‏
3 ـ الحرية العمياء في مسارات الدمقرطة:‏
باتت الانتهاكات الصارخة للحرية إحدى أبرز علامات النظام العالمي الجديد في ظل القطبية الأمريكية الواحدة. ولا شك في أن إعلان حقوق الإنسان إنجاز غربي في صياغته وإصداره، وأن الإنسان في هذا الإعلان هو الإنسان الغربي، وإلا كيف يرضى المدافعون عن حقوق الإنسان، كما يزعمون، السكوت عن جرائم الكيان الإسرائيلي وسجلها الحافل بالتعدي على حقوق الإنسان، من الاحتلال إلى العنف، إلى القتل، إلى الترحيل، إلى المجازر، إلى تهديم المنازل، إلى تعذيب الأسرى... الخ، وكيف يرضى المدافعون عن حقوق الإنسان، دوام حصار الشعب العربي العراقي والليبي فترة طويلة، مهما كانت الذرائع والحجج، وآل هذا الحصار العراقي الطويل إلى الاحتلال بدعاوى ومزاعم ثبت أنها غير قائمة أو موجودة مثل أسلحة الدمار الشامل وسواها، وصار جلياً أن الضغوط الأمريكية على سورية متحالفة مع بريطانيا وفرنسا، ولا تخرج عن الخضوع والخنوع للهيمنة الأمريكية بدعاوى ومزاعم باطلة أيضاً، إذ يظهر على سطحها ملابسات جريمة اغتيال رفيق الحريري تغطية على مضي أمريكا في خدمة مصالحها في المنطقة فلم تعد الاشتراطات الأمريكية خافية على الملأ، مثل اتهامات سورية حول المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق، بينما أعلنت سورية على الدوام مواقفها القومية الصريحة على أن هذه المقاومة من داخل هذه الأقطار، ولا تتحرك من سورية، أو تتسلل منها، أو توجهها.. الخ. وقد اخترت الحديث عن هذه الحرية العمياء انطلاقاً من محاكمة جارودي التي أضحت «محاكمة الحرية»، وهذا هو عنوان الكتاب الذي وضعه جارودي بالاشتراك مع محاميه جاك فيرجيس. ويشير هذا الكتاب في جوهره إلى بعض أشكال التحالف الأمريكي ـ الصهيوني باسم معاداة السامية. ومن المعروف أن جارودي حوكم باسم قانون الجرائم ضد الإنسانية الذي عرف باسم «جيسو ـ فابيوس»، وكان صدر عام 1990 عن الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان)، غير أن هذا القانون المناصر في حيثيات إقراره للأجانب في مواجهة العنصرية الصاعدة، إذ شهدت فرنسا في الثمانينات حالات للتعدي على العرب، وقتلهم، ولنبش قبور يهود… الخ، لم يستفد منه إلا الصهاينة، عندما طالبت المنظمة الصهيونية المتطرفة «ليكرا» محاكمة جارودي بتهمة معاداة السامية وبتهمة إنكار البربرية الهتلرية من خلال التشكيك بالجرائم النازية في حق اليهود، ولا سيما المحرقة (الهولوكوست). تتبدى خطورة صنيع جارودي في نقضه لكثير من الذرائع الصهيونية المؤسسة لعقيدتها، لمجردَ إعادة النظر في محاكمة نورمبرغ التي لم تكن قانونية بالقدر الذي كانت فيه محاكمة سياسية، واستمراراً لمجهود الحلفاء العسكري، وأهمها ذريعة «المحرقة»، بينما يقوم الكيان الإسرائيلي بأشدّ من المحرقة بحق الشعب الفلسطيني في كل حين تفعله وفق ذرائعها الباطلة. ونعاود ذكر هذه المحاكمة للمقارنة مع الجرائم الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني، وهي جرائم مدعومة من القطبية الأمريكية أيضاً.‏
ومن يتابع مجريات الأمور، يلاحظ رعب مروّجي النظام العالمي الجديد فور صدور كتاب جارودي «الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية» (1995) فقد وضع أحد عتاة الصهيونية كتاباً خطيراً سرعان ما حقق رواجاً لافتاً للنظر، والمؤلف هو دانيال غولدهاجن الأستاذ في جامعة هارفرد، أما الكتاب فهو «قتلة هتلر المتطوعون: دور الألماني العادي في المحرقة» (1996)، ولا يؤكد هذا الكتاب حقيقة المحرقة، رداً على جارودي وسواه، بل يمدّ مسؤوليتها من النازيين إلى الشعب الألماني برمته، استناداً إلى أن ثمة فرقاً تطوعية قامت بهذه المجازر، وأوضح غولدهاجن في تأكيده لإدانة الأمة الألمانية باضطهاد اليهود أنه يعتمد على الوثائق المتوفرة في أرشيف لودفيغسبورغ، مما استنفر العديد من المثقفين الشرفاء، ومنهم يهود، لدحض هذه المزاعم الظالمة، فقد فضحت الباحثة الكندية روث بيرن المسؤولة عن أرشيف علاقات الجريمة ضد الإنسانية في وزارة العدل الكندية، وزميلها نورمان فنكلستاين، أستاذ العلوم السياسية في نيويورك، في مقالين منفصلين، المزاعم الباطلة لغولدهاجن، ولا سيما تقطيع الوثائق وإخضاعها لتناسب وجهة نظره، مما جعلهما يضعان كتاباً واسعاً مشتركاً يفنّدان فيه أطروحات غولدهاجن، ويحمل الكتاب عنواناً دالاً هو «محاكمة شعب: أطروحة غولدهاجن والحقيقة التاريخية». إن تقصي رد فعل غولدهاجن، ويقف وراءه المعنيون بصناعة الدراسات حول الهولوكوست والقوى الصهيونية ممن يدركون عنف الهجمة الصهيونية ضد كل ما يمسّ أو كلّ من يمسّ المزاعم الصهيونية. ونكتفي بالإشارة إلى تدخل بعض الجمعيات اليهودية الصهيونية لتعضيد موقف غولدهاجن في استمرار إقامة الدعوى القضائية ضد روث بيرن وزميلها فنكلستاين، بالإضافة إلى طلب طرد الباحثة من منصبها في وزارة العدل الكندية، وما تزال القضية مطروحة، وإن تكشفت دواعيها واستهدافاتها. ونذكر هذه الممالأة للصهيونية من قبل النظام الأمريكي، وهي راهنة وشاخصة للعيان عندما نتذكر موقف منظمة إيباك من الرئيس الأمريكي بوش قبل الانتخابات الأمريكية الأخيرة، وتشخّص للعيان أكثر عند ذلك التفريق المستمر في معاداة العرب بعامة والفلسطينيين بخاصة، وتصدّر الولايات المتحدة الأمريكية قرارات تلو القرارات لإرضاخ الدول العربية كما هو الحال في ليبيا والسودان ولبنان وسورية، كالقرارات 1559، 1595 وآخرها القرار الظالم والجائر 1636 الذي ينمّي الضغوط على سورية قبل نهاية التحقيق، ودون وجود الأدلة، ودون تنفيذ خطوات التعاون السوري مع لجنة التحقيق الدولية.. الخ. بينما يصعب علينا إحصاء القرارات الصادرة عن مجلس الأمن التي تضرب بها إسرائيل عرض الحائط، ولا تنفذ منها شيئاً.‏
هل باتت الصورة واضحة عن الاستعمال السياسي للحرية وفق مصالح سادة النظام الجديد؟! لقد وجدت «رابطة الدفاع عن حقوق الناس» في «جامعة بروكسل الحرة» أنّ الحرية منتهكة في تغييب بعدها الإنساني أفراداً وشعوباً، وتفصح الندوة التي أقامتها الرابطة عن النظام العالمي الجديد بحثاً عن حرية غير مشروطة بمصالح السادة وحدهم، أنّ غياب العالم الثالث، ومنهم العرب، عن الإسهام في صناعة النظام العالمي الجديد، يشكل إجحافاً بحقّ أكثر من نصف سكان المعمورة، عبر إخضاعهم لسيطرة غربية (أمريكية ـ أوروبية) يجري فيه تكييف الحرية وفقاً لمصالح هؤلاء السدنة، بتوكيد بعدها السياسي وتزييف هذا البعد، وبتغييب البعد الإنساني والقومي، مثلما يُغيّب دعاة الحرية العادلة عن المشهد السياسي العالمي.‏
غدت الحرية، في استعمالها السياسي لخدمة مصالح القطب الواحد الأعظم وحلفائه، مغذية لأوهام الإمبراطورية في مقولة «صدام الحضارات» التي صاغها أحد منظّري البنتاجون صموئيل هنتنغتون ومقولة «نهاية التاريخ» التي صاغها أحد منظّري الخارجية الأمريكية فرانسيس فوكوياما (الموظف في قسم التخطيط هناك). ويندرج جهد هننغتون في خطة أميركية لاستيعاب تحديات المرحلة القادمة، وحضارة الهيمنة الغربية، ولا سيما الأمريكية وتخلف خصومها البرابرة ووحشيتهم على تخومها الشرقية والجنوبية، ولا سيما المسلمون، ووضع الكيان الإسرائيلي حاجزاً متقدماً من أجل تحضر البرابرة، في بادئ الأمر، ثم غدا الجدار العازل حامياً للعدو من الإرهاب الفلسطيني المزعوم، ليدغم الصراع الحضاري في مسار صحيح بالنسبة إليهم هو سيرورة الاستتباع الحضاري لغطرسة الإمبراطورية المتسلطة على مقدرات المعمورة. وتكتمل الأطروحة النافية للذاتيات القومية والوطنية لدى فوكوياما عبر استبدال الخيارات السياسية التنموية المستقلة بإيديولوجية الإمبراطورية الجديدة، قائدة النظام العالمي الجديد.‏
تنطوي هذه الأطروحة على فصل عنصري عالمي، تجعل أية مجابهة للشمال مع الجنوب ميؤوساً ما لم تندرج في سيرورة الاستتباع الحضاري، كما أسلفنا، ويورد جان كريستوف روفين مؤلف كتاب «أوهام الإمبراطورية وعظمة البرابرة»، وقائع مؤسية عن نظرة الغرب للعالم الثالث، وفي مقدمتها عدم الإرادة بالحرية، لأنه هذا العالم الثالث عدو حضاري تنبغي محاربته كلما خرج عن المدى الموضوعي له من الغرب، لذلك تبدو مقولات الغرب الراهنة مثل النظام العالمي الجديد، وحماية القانون الدولي، والدفاع عن حقوق الإنسان، واحترام حرية الشعوب خرافات غربية لحماية الإمبراطورية في مواجهة البرابرة الجدد ما لم تضع في سياقها حقوق العرب أيضاً.‏
وأشير إلى أمرين أمريكيين ضاغطين على العرب والإسلام ضمن مظالم الحرية العمياء ومزاعم مسارات الدمقرطة، وأولها التعامل المحدود مع الديمقراطية في أمريكا بما يخدم سياساتها في الهيمنة، وثانيها جور تهديد العرب والإسلام بالإرهاب والتطرف والعنف.‏
تصف مؤلفات أمريكيين ومواقف الكثيرين من مثقفيها مثل مايكل بارنتي في كتابه «ديمقراطية للقلة» أن أمريكا تربط بين السياسة والاقتصاد والتقانة وصناعة السلاح والمعلوماتية والاتصالات، بما يخدم التنميط العالمي لتسويق هذه الارتباطات واستهلاكها وفق مصالحها التي تنشر هيمنتها على المعمورة، وقد حاول أخصائيو العلوم السياسية الذين يمثلون الاتجاه السائد في أمريكا، والمدافعون عن النظام الاجتماعي القائم لعدة عقود، إعادة عرض كلّ النواقص في النظام السياسي بحيث تبدو وكأنها نقاط قوة، فهم يحاولون إقناعنا بأن الملايين ممن يحجمون عن الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الأمريكية قانعون بالظروف الاجتماعية الراهنة، وأنه لا داعي للقلق من وجود جماعات ضغط «اللوبي» كبيرة النفوذ، لأن هذه الجماعات إنما تمارس دور تزويد الحكومة بالمعلومات الحيوية، كما يجادلون بأن التركيز المتزايد للسلطة التنفيذية هو أمر جيد نظراً، لأن الرئيس يستجيب، وبصورة ديمقراطية، للمصالح الوطنية العريضة، وليس للمصالح الخاصة. ويجادل المدافعون عن الاتجاه السائد بأن استبعاد وجود أحزاب ثالثة، إلى جانب الحزبين الأمريكيين الرئيسين هو أمر في مصلحة البلاد، لأن وجود الكثير من الأحزاب يؤدي إلى تشتت النظام السياسي وزعزعته، أما ما ينجم عنها على الصعيد العالمي والإنساني فهو أن الديمقراطية تتنافى مع الرأسمالية القائمة في الوقت الراهن، وأن النظام الاجتماعي الرأسمالي ينتهك الديمقراطية على نحو مستمر، ونادى المثقفون الأمريكيون إزاء ذلك بالإصلاح الاقتصادي وإصلاح قوانين العمل وإصلاح الضمان الاجتماعي، وإصلاح المؤسسات السياسية من أجل تلازم العدالة والديمقراطية الأمريكية والعالمية(6).‏
وأظهرت مجموعة الدراسات، بعنوان: «أوراق الديمقراطية» التي نشرتها وزارة الخارجية الأمريكية على الانترنت في تشرين الثاني 2001، مدى استمرار الضغوط على العرب والمسلمين، حين جعلوا منفذي أحداث 11 أيلول الإرهابية من بلدان الشرق الأوسط، وحين حكموا على غالبية المجتمعات العربية التي ينتمي إليها هؤلاء الإرهابيون تعيش حالة بالغة من البؤس على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية كافة، ثم أدخلت السياسة الأمريكية محاربة الإرهاب في تنفيذ الأهداف التالية: الأول: إقامة الديمقراطية والحكم الصالح ومجتمع الحرية، والثاني: تنمية اقتصاد المعرفة، والثالث: دعم آليات السوق، ولا تفترق هذه الأهداف قط عن المصالح الأمريكية، ومدّت أمريكا تنفيذ هذه السياسة بالشراكة بين الدول الثماني الكبرى صناعياً بقيادة واشنطن، عبر وثيقتي قمة هذه الدول بولاية جورجيا (حزيران 2004)، بفرض متطلبات الإصلاح عبر برامج ملزمة ومؤسسات مسؤولة عن التنفيذ وآليات حريصة على المتابعة والمحاسبة داخل أنظمة الحكم والنخب العربية (7).‏
وأبان مثقفون أمريكيون ملامح الفساد في السلطة التشريعية الأمريكية مثل تشارلز لويس في كتابه «من يشتري الكونغرس الأمريكي»، حيث أن آليات العمل في الكونغرس الأمريكي تتحكم بها سلطة المال والمصالح الاقتصادية لفئة معينة في المجتمع الأمريكي ممن يمتلكون مفاتيح اقتصادها، وتحاول الولايات المتحدة طرح نفسها كقوة إمبراطورية تحمل لواء الديمقراطية، وتنادي بإصلاح الأنظمة السياسية والاقتصادية والإدارية في العالم الثالث بعامة، ودول الشرق الأوسط بخاصة، تحكماً بمصائر الشعوب والسياسات الدولية(8).‏
وتزايد جور تهديد العرب والإسلام بالإرهاب والتطرف والعنف في السياسة الأمريكية، واتهمت الدول العربية والإسلامية بتهديدها للديمقراطية، وإنها تقوم بالحرب المقدسة والإرهاب غير المقدس، كما هو الحال في مواقف برنارد لويس، الممثلة لمواقف المحافظين الجدد في أمريكا، على أن العرب والمسلمين يفتقدون «للسلام والحرية والتنوير والازدهار، بينما تقع على الطرف النقيض حلقة مفرغة من الفقر والجهل، والخوف والعنف، والتسلط والفوضى، والخوف والانشقاق على الذات، وكلّها قد تؤدي في النهاية إلى سيطرة غربية جديدة»(9).‏
وفاقم برنارد لويس اتهاماته على العرب والمسلمين في كتابه «الإسلام وأزمة العصر، حرب مقدسة وإرهاب غير مقدس» واصفاً أزمة الإسلام بأزمة العصر، ونسب إلى العرب والإسلام ظواهر وقضايا وظروفاً وسياسات لا علاقة لها بالعرب أو بالإسلام، وأبرز الكتاب السياسات العدوانية تجاه العرب والإسلام والمسلمين التي يتبناها المحافظون الجدد في الإدارة الأمريكية في تناغم تام مع الصهيونية وافتراءات «اللوبي» الصهيوني، ورهن هذه السياسات العدوانية بزعماء تنظيم القاعدة والجماعات الإسلامية الإرهابية على أن صراعاً طويلاً ومريراً سيكون في انتظار أمريكا، و«لا يقتصر الأمر في ذلك على أمريكا، فأوروبا، وبوجه خاص أوروبا الغربية، أصبحت مقراً لطوائف إسلامية كبيرة وسريعة النمو، وبدأ كثير من الأوروبيين يرون في وجودها بينهم مشكلة بل تهديداً»(10).‏
وعندما نمعن النظر في السياسة الأمريكية ضد العرب والمسلمين باسم الدمقراطة، ندرك أن القتل السياسي لإنهاء الوجود الفلسطيني، والقتل السياسي لتجزئة العراق وإنهاء الوجود العربي فيه، والقتل السياسي لليبيا والسودان وسورية لهدر الإمكانية العربية برمتها هو المتصدر مزاعم الديمقراطية والحرية العمياء في السياسة الأمريكية، ونبه باروخ كيميرلينغ، وهو الأمريكي اليهودي، إلى أن القتل السياسي ماض قدماً، مما يؤثر على «مستقبل الدولية اليهودية المعاصرة إلى أن تصبح مجرد هامش في تاريخ العالم»(11).‏
إن معركة الحرية قائمة، ويشتد أوارها لدى سدنة النظام العالمي الجديد، كلما جرت المطالبة بأن تفتح الحرية عينيها لأبعد من المدى السياسي الضيق المفصل على قياس مصالح هؤلاء السدنة. ويستدعي هذا كله موقفاً من الشرعية الدولية ومن النظام الإقليمي العربي، وهما مهددان بالانتهاك والمحو والتهميش بالنظر إلى الضعف الداخلي فيهما إزاء القطبية الأمريكية، أما التلويحات بتهديد ليبيا وسورية المستمر، فليس منقطعاً عن تهديد العرب أجمعين، ما لم يخنعوا للضغوط الأمريكية، وما أطروحة الشرق الأوسط الكبير إلا سياسة صريحة لإعاقة الحرية التي تتطلب في الوقت نفسه نفي الضعف العربي من الداخل ونداء وعيه بذاته وبالآخر وبالتاريخ الإنساني قبل كل شيء.‏
4 ـ الشرق الأوسط الكبير والتصهين:‏
ارتبط مفهوم «الشرق الأوسط» بمواجهة العروبة والإسلام، وبخطط الغرب لاندراج العرب في دائرة التبعية والاستعمار، وجوهر المخططات التي لا تنقطع من الغرب هو إلغاء العروبة رابطة وانتماء، وتشويه الإسلام قوة حضارية وإنسانية، ودوام تبعية العرب للغرب والتجزئة والتفرقة بتشجيع الطائفية والمذهبية والعشائرية والفئوية، وكان ذلك سياسة أقرها النظام الدولي الجديد في مطلع القرن العشرين ممثلة بعصبية الأمم، وتراكمت الوقائع التاريخية الحديثة من قبل المطامع الاستعمارية والمخططات الأمريكية والصهيونية على الرضوخ العربي للشرق أوسطية، مما ضاعف تأزيم الذات العربية مع أطروحة «الشرق الأوسط الكبير»، ولم يعد خافياً أن البعد الاستراتيجي والسياسي هو الأهم لاندماج إسرائيل في نسيج المنطقة وإعلاء شأن كيانيتها وتعاونها الإقليمي والتطبيع معها على الرغم من استعداءاتها وعدوانها المستمر على العرب..الخ، ويفضي ذلك إلى التحكم الأمريكي الصهيوني بالأوضاع الاقتصادية، والتسلط على الثروات والخيرات العربية، ولا يخرج البعد الثقافي عن صلب النظام الشرق أوسطي، بأنه يمسّ الهوية العربية، ويمثل الاختراق الخارجي للذات العربية(12).‏
ولم تتوقف الاستهدافات الأمريكية على العرب في مدارات «الشرق الأوسط الكبير والتصهين» لتنفيذ مخططاتها، وأوضح كتّاب أمريكيون، أمثال نيكي آر. كيدي في كتاب «نهاية الحرب الباردة مدلولها وملابساتها»(13) أن الشرق الأوسط مسرح الحرب الباردة الأول خلال العقود الأربعة التي تلت العام 1946 حتى التغيرات الكبرى بانهيار قطبية الاتحاد السوفييتي ومنظومة الدول الاشتراكية إلى جانبه، وترسخت الاستهدافات في مدار الشرق أوسطية على نفط المنطقة وثرواتها وموقعها الاستراتيجي، تحكماً بالتأثير الاقتصادي والتحولات الديمقراطية والحركات اليسارية ونهاية تزاحم أوضاع القطبين الأمريكي والروسي وسيرورة السياسة الأمريكية الخارجية، مثلما حدث في حرب الخليج الثانية، وقد انتقلت السيطرة على الشرق الأوسط الغني بالنفط، والأهم استراتيجياً، إلى السياسات الأمريكية التي تحكمت بالتغييرات العربية وتحولاتها الشاملة والتفصيلية، السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، ليس في منطقة الخليج والعراق وحدها، بل مارست الضغوط والاشتراطات على العرب جميعاً في السودان واليمن وليبيا والجزائر والمغرب وسورية ولبنان على سبيل المثال، وفلسطين والمواقف العربية منها في صلب هذه الضغوط والاشتراطات.‏
وبات واضحاً أن فكرة الشرق الأوسط الكبير وامتداداتها في الممارسات السياسية الأمريكية والصهيونية مجال حيوي للهيمنة الأمريكية ـ الصهيونية، بتعبير توفيق المديني(14)، وتصدرت وجه الرأسمالية الجديد، واستند مشروع الشرق الأوسط الكبير إلى تقريري التنمية الإنسانية العربية 2002 و2003، المكتوبين من المؤسسات الدولية الأمريكية عن العالم العربي، ودخل المشروع في إطار الرؤية الأمريكية للعالم بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، المستندة إلى مساندة الأنظمة التسلطية مقابل ضمان أمن الكيان الصهيوني والسيطرة على تدفق النفط، والإقرار بالقوة الإمبريالية الخارجية المهيمنة، وهو ما أراده الرئيس بوش اعتماداً على أربعة عوامل أساسية هي: الاستقرار السياسي، والاقتصاديات والأمن القومي، والديمقراطية، في الإطار الصهيوني الواسع للهيمنة والسيطرة وفق السياسات الأمريكية.‏
وأصبح معروفاً أن «اللوبي»، قوة سياسية يهودية تكاد ترسم السياسة الخارجية الأمريكية، إذ تتفوق الجماعات اليهودية الموالية لإسرائيل على غيرها، والتي تضعف العرب، لأنهم لم ينجحوا حتى اليوم في تشكيل جماعات مماثلة في القوة أو قريباً منها على الرغم من أعدادهم الكبيرة في أمريكا. وعندما نمعن في تفاصيل عرقلة السلام في الشرق الأوسط بتأثير «إيباك» (اللوبي) ندرك في الوقت نفسه موقعهم في «المؤثرات الخارجية» التي تنعكس على صناعة سياسة أمريكا الخارجية، بقصد الهيمنة على العرب والمسلمين(15).‏
وتبدو مخاطر الشرق الأوسط الكبير أكثر خطورة بشمولها للجغرافية العربية والدول المجاورة لها، وتوصيف التاريخ الطويل للمنطقة وفق الأهواء الأمريكية ومصالحها، وتحديد سياسات المنطقة الداخلية والخارجية المستخرجة من تراثها الاستعماري وأنماط التنمية الاقتصادية الراضخة لتحكميات الدول العظمى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، وتتصل هذه الشمولية بالعلاقات الدولية وصراعاتها المتعددة ليتلاشى معها الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، وتندرج المنطقة في التنميط الاقتصادي، والتركزي على الارتباطات بين النمو السكاني والتحضر والوظائف والبطالة، والفقر وتفاوت الدخل، وتحليل علاقات القرابة والطبقات الاجتماعية والعرقية والمذهبية. ومدّت أمريكا هذه الشمولية إلى المزيد من تمكين المرأة، والتفاعل بين الدين والسياسة، والتصورات الخاصة للدعامات التاريخية والثقافية التي يرتكز عليها الأدب في الشرق الأوسط، ومن أبرزها الشعر والقصص القصيرة والروايات والمسرحيات(16).‏
وتزايدت التحديات الحاسمة التي تواجه المنطقة العربية مع عرقلة التنمية الاقتصادية بسبب الحروب الأهلية الداخلية (كما حدث في الجزائر ولبنان والصومال والسودان وتركيا)، أو بسبب نشوب حروب دولية (حرب تحرير الكويت)، أو نتيجة لهذين السببين كيهما (مصر وغيران، العراق وفلسطين، وسورية)، مثلما تفاقمت الصراعات العرقية والدينية والإقليمية بتأثير تضييق المسؤوليات السياسية ما لم توافق عليها أمريكا باسم الإصلاح والتغيير..الخ.‏
وهذا كله يكشف عن ضرورة مقاومة «الشرق الأوسط الكبير» والتصهين المنتشر من خلال تعقيد الذات القومية، تنويراً ودمقرطة وتكاملاً اقتصادياً ومناهضة للهيمنة الإمبريالية الأمريكية والصهيونية.‏
5 ـ التحكميات بمنظمات المجتمع المدني:‏
لا ينفصم «المجتمع المدني» عن تعبير «المجتمع السياسي» لمجاوزة سلطة الدولة إلى قوننة التركيب الاقتصادي والاجتماعي وفق متطلبات القوى المختلفة عن الدولة، من المؤسسات غير الرسمية إلى تعبير المؤسسات الرسمية نفسها باسم الدمقرطة وحقوق الإنسان.. الخ.‏
ونادى دعاة المجتمع المدني بالتعددية الاجتماعية ـ السياسية والإدارة التطوعية في المشاركة العامة لتفعيل المواطنة وتوزيع السلطة إلى المؤسسات غير الرسمية أحزاباًَ ومنظمات ونقابات وجماعات وأفراداً وأثنيات، وتفيد عضوية المجتمع في المؤسسات غير الرسمية أو السلطوية أن المجتمع المدني يتشكل بالتسييس لخدمة مصالح أفراد والجماعات الخاصة مع آليات تحقيق التوازن بين المصالح الخاصة والدعم الاجتماعي.‏
ولم يتواضع المعنيون بالمجتمع المدني على تحديد مفهومه واشتراطاته ومستوياته وأهدافه فكرياً وسياسياً ولا سيما الأثنيات المفضية إلى الفئويات والأقليات والطبقية الناظمة للأوضاع الاجتماعية برمتها عند النظر في عمليات إنتاج المجتمع، أي أن المجتمع المدني مرتبط أساساً بمنتجي المجتمع من الأفراد والجماعات الفاعلة في التشكل المجتمعي وتحقق وظائفه ونظم المشاركة السياسية والاقتصادية والحضارية فيه لشيوع السلطة بينهم، وليس ارتباطها بفئة أو طائفة أو مذهب أو عشيرة أو قبيلة أو جهة دينية أو سياسية أو خارجية..الخ.‏
وصُنف المجتمع المدني ضمن هياكل مجتمعية من أفراد لضبط العلاقة بين الواجبات والحقوق إلى الجماعات لضبط التعالق بين تقاطعات مكونات المواطنة من المهد إلى اللحد، ودخول هذه المكونات وتناميها مع التحضر والاستقلالية والشرعية، بالإضافة إلى تواصل هذه الهيكلية مع الحكومة/السلطة الرسمية طلباً للدمقرطة والحرية والعدالة والقوننة والشرعية.. الخ(17).‏
وزادت هيكليات المجتمع المدني بالمؤسسات الخاصة أو غير الرسمية مثل قطاعات العمل الناظمة للإمكانية الوطنية والاجتماعية وعدم هدرها أو عدم استغلالها ونهبها داخلياً وخارجياً، وقطاعات التطوع في تعزيز إنتاج المجتمع بالمشاركة الحرة كالنوادي والمنظمات والمجالس والهيئات الخيرية والحركات الإنسانية، وهذا كله يدعم أهداف المجتمع المدني ووظائفه من خلال تأصيل حقوق المواطنة حقوقاً للوطن في الوقت نفسه، وليس لسلطة معينة لا مسعى لها إلا التسلط على الكينونة الاجتماعية برمتها وإخضاعها لمصالحها الخاصة.‏
وأثيرت مشكلات المجتمع المدني لدى انتشار التسلط والاستبداد المرتهن بالقمع والتطرف والعنصرية والعنف والسوق السوداء وتبييض الأموال..الخ، والأبرز هو ضعف المشاركة الاجتماعية المنظمة بين المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وتليها أهمية وثوقية ممارسة حرية المجتمع بهذه المشاركة الشاملة للمواطنية، واستبعاد جدار السلطة بين الوطن والمواطن وإبعاد البيروقراطية والفوضى، وتمكين الفجوة الاقتصادية.‏
وتقل هذه المشكلات مع تثمير الاتصالات والمعلوماتية ومجتمع المعرفة بإشاعة المسؤولية الاجتماعية المشتركة بين المواطنين جميعاً. وثمة مشكلة خطيرة مرتبطة ببقية المشكلات هي التمييز الجنسي بين المرأة والرجل، مما ينشر النسوية المناهضة للذكورة وللمجتمع الأبوي وتسييدها على المرأة، والمنشود هو المساواة القانونية في حقوق الإنسان والدستور والمواطنة الكاملة في الشغل والعدالة والمساواة وحماية المستهلك والحضور المستقل ومواجهة العنف والتطرف ضد المرأة، ويتصدر ذلك المشاركة الاجتماعية الشاملة للمرأة في التربية والتنشئة بخاصة وإنتاج المجتمع بعامة، وتتبدى المشاركة في طوابع جمعيات النساء الاجتماعية والمهنية والإنسانية والتعاونية والسياسية، وفي مقدمة الطابع الاجتماعي محاربة الأمية وتيسير العمل وحق التنشئة والتأهيل الذاتي والإرشاد السليم لإدماج المرأة في إنتاج المجتمع. ويستدعي ذلك أيضاً فرص التعاون في دعم الكفاح الاجتماعي والسياسي.‏
وتوزعت الجمعيات النسائية في الوطن العربي إلى حماية الأسرة وإنقاذها واستشاراتها والتخطيط العائلي وحقوق المرأة.. الخ، وهناك تأطير لتمكين المرأة في المجتمع المدني من خلال: مجاوزة التبشير العقائدي بعيداً عن خصوصية أحوال المرأة في هذا المجتمع أو ذاك، فالمجتمع العربي واحد، وله تنوعاته ومشاركة المرأة قانونياً في المبادرات التنموية والخدماتية والتربوية مثل محاربة الأمية وتأمين الاستشارات القانونية والصحية، واستقلالية الإنتاج الاقتصادي وتعاونه، وتطور دينامية المرأة ضمن دينامية المجتمع، ومساواة المرأة بالرجل في الممارسة الوطنية بأبعادها كافة.‏
والممارسة الأقوى في المجتمع المدني هي ترسيخ السياسة في تمثلاتها: الديمقراطية والحرية والحقوق لنفي الاستبداد والتبعية والقمع والعنف والفساد والحكم العسكري والأمني والتسلط.. الخ. وهذا وحده النافع في إنتاج المجتمع المدني خدمة للمشروع القومي الديمقراطي النهضوي المستند إلى حضور حرية الرأي والاجتماع والأحزاب والتحزب والأكل وبناء دولة الحق والقانون ونبذ التسلط الذي يهمش أشكال السلطان الأخرى من الذات الخاصة إلى الذات العامة، وتحرير الأفراد والجماعات من مجرد التقليد إلى العنصرية من داخل التقليد الراسخة إلى الإصلاح والتطوير والتحديث على أن التراث العربي جزء من تراث الإنسانية، وأن الخصائص الثقافية وعناصر التمثيل الثقافي أعرافاً وطقوساً وتقاليد وأدياناً وطوائف ومذاهب ومعتقدات تندغم في التواصل الحضاري واستقلالية مؤسسات المجتمع المدني وتعاونها وتكاملها مع المؤسسات الرسمية لإدخالها في السلطة، لا أن تظل تحت هيمنة التسلط، وفصل السلطة التشريعية في ممارسة سياسية واجتماعية مدنية عن السلطة التنفيذية والقضائية وارتباط السلطتين الأخيرتين بمشاركة عناصر المجتمع المدني في إنتاج المجتمع، والتوكيد على تحرير المرأة ومساواتها بالرجل في الممارسة السياسية الناظمة والضابطة للمجتمع، وتأصيل وعي المجتمع المدني ففي الممارسة السياسية القائم بالدرجة الأولى إلى المواطنة وحقوق الإنسان، لئلا تضغط قوى السلطة السياسية على عناصر المجتمع المني، يفيد ذلك مسارات التحول الديمقراطي والتغيير الاجتماعي داخل المجتمعات المحلية الأضيق التي تستوجب مراعاة خصائصها المحلية، لا أن تفرض عليها مغالطات النزوعات المركزية أو التوجيه الجائر أو آليات السوق المفروضة وليس النابعة من الداخل، أو إهمال عناصر التمثيل الثقافي التي تؤدي إلى إكراهات الهوية.‏
ولا نغفل عن تطوير علاقة الثقافة بالسلطة وبالدولة لتخفيف وطأة المثقف التقني أو المثقف العضوي على المجتمع المدني ما لم ينمِ ديمقراطية الرؤى الثقافية وممارساتها السياسية والاجتماعية من أجل السيادة والشراكة والبعد الإنساني فالسلطة لا تخرج عن الثقافة، وتفضي إلى ثقافة سلطة أو سلطة ثقافة، مثلما يرتهن التغيير بمدى الثقافة في الحراك الاجتماعي والسياسي، على أن تحديث المجتمع العربي يستند إلى تحقق دور المجتمع المدني بالإصلاح السياسي العام، ولا سيما الحقوق المدنية والسياسية، ودعم منظمات المجتمع المدني الهادفة إلى الإصلاح والمشاركة الجماعية لدى الأوساط الشعبية، حسب أطروحات جامعة الدول العربية، في إطار الشفافية والمساءلة والتداول. ولا يفيد المجتمع المدني في مواجهة الدولة أو التصادم معها، بل في الحوار الساعي إلى نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان والدفاع عن حقوق النساء والأقليات..الخ، ويندغم الحوار مع تلازم العمل التطوعي والأمن والتنمية في إنماء المجتمع وضمانة المواطنة ودعم المتغيرات البيئية والتمثلات الثقافية لحماية التنوع الثقافي وتعزيزه المرسخ للمجتمع المدني(18).‏
ولا يفيد أيضاً ارتباط المجتمع المدني بالعقلانية والعلمانية والديمقراطية، بل أن تصدر هذه المفاهيم عن عناصر التمثيل الثقافي التي تتجاوز الطائفية والعرقية والمذهبية والدينية والعقائدية إلى جدوى الممارسة السياسية والاجتماعية ضمن حقوق المواطنة وحريتها من جهة وتعمق التعددية والمشاركة العمومية لترسيخ المواجهة الداخلية والمقاومة الخارجية من جهة أخرى، بما ينفع في مقاربات السيادة والشراكة والبعد الإنساني للمواطنة والوطن(19).‏
ولا ننسى أن تفعيل دور نظام الوقف من شأنه أن يوثق علاقة المجتمع بالدولة لدى اعتماد المؤسسية والاستقلالية الإدارية والمالية واللا مركزية على سبيل المثال في التعالقات المركبة مع بعض عناصر التمثيل الثقافي.‏
ويُدعم المجتمع المدني بأطره القانونية السياسية أولاً والثقافية وتفعيل دور المثقف الحي ثانياً والاقتصادية والاجتماعية ثالثاً، من أجل تقوية التكامل القومي الذي يصون في الوقت نفسه الخصوصيات القطرية، لأنها لا تفترق عن المشروع الحضاري المدني.‏
وأدغمت أمريكا المجتمع المدني في عولمة النظام العالمي الجديد لإخضاع منظمات المجتمع المدني للاستتباع الخارجي وفقاً لآليات الهيمنة التي تصوغها قوى العولمة، التي تكاد تلغي الدولة، مثلما باتت الهوية مهددة أمام إكراهاتها الداخلية الناجمة عن الضغوط الأمريكية الخارجية التي تركز على تمكين المرأة والقروض الصغيرة والشفافية وحقوق الإنسان وفق مصالحها الخاصة تجاهلاً للإطار التنظيمي للعمل الأهلي ومؤسساتها، وشيوعاً للاستثمار الأجنبي، وتهميشاً للبعد الوطني والقومي لمنظمات المجتمع المدني بإتباعها بالخبرات الدولية الأمريكية، ويورث ذلك كلّه الشجن الداخلي العربي وإضعاف مواجهة الضغوط الخارجية، بدعاوى انعدام حرية التعبير في غالبية الدول العربية، وانتشار الفساد والتعصب فيها، طلباً لتشريعات جديدة وتوافر الديمقراطية والفصل بين المجتمع المدني والدين وتنمية العمل التطوعي، وديمقراطية التداول السياسي من منظور أمريكي.‏
وأثارت المصالح الأمريكية على منظورات المجتمع المدني رؤى ضاغطة على العرب ما لم تنبعث من الدواخل العربية مثل وضع استراتيجيات عامة لمنظمات المجتمع المدني وتحقق مسألة الجودة الشاملة للمؤسسات الرسمية وغير الرسمية وارتباط مشروعاتها وبرامجها بالأهداف القومية، ولا سيما الوحدة الوطنية، وضبط الأجندة فيها لمقاومة شرّ الفساد الإداري والسياسي.‏
وتحرص أمريكا باستمرار على تطبيق سياستها إزاء المجتمع المدني في مجالات مراعاة الشفافية وحماية قضايا البيئة وحسن الإدارة، والمرصد الاجتماعي للإصلاح العربي، ودعم سياسات تعليم الشباب وتدريبهم، وتطبيق مؤسسات التمويل متناهية الصغر المنتشرة بدعم من البنك الدولي..الخ.‏
والأهم في مواجهة التحكميات بالمجتمع المدني هو ضرورة عدم تسييس منظمات المجتمع المدني، وعدم ارتباطها بالقوى الخارجية، وضرورة التكامل بين أنظمة الحكم والمجتمع المدني وإدغام عملها بالوحدة الوطنية من خلال الحوار البناء والمشروعات الداعمة للوجود القومي إزاء المخاطر الخارجية، وتفعيل مرصد المجتمع المدني في جامعة الدول العربية لتنظيم العمل الأهلي وغير الرسمي والتنسيق والتكامل مع المؤسسات الرسمية، وإحداث التغييرات في التشريعات العربية وإزالة المعوقات البيروقراطية، والعناية بصوت الذات القومية وحماية الوجود العربي، لا مجرد النقد السياسي المرتبط في غالبيته بالضغوط الخارجية ومصالح دعاتها، ووعي ممارسات هذه الضغوط التي تتعرض لها أنظمة الحكم من قبل الهيمنة الأمريكية مما يستدعي إقامة جسر التفاهم الحقيقي والواقعي مع منظمات المجتمع المدني والحكم في الدول العربية وفق مبادئ المصداقية ومتطلبات الشفافية دفاعاً عن الذات القومية.‏
6 ـ التحكميات بالثقافة وبقضايا التنوع الثقافي:‏
واصلت اليونسكو مسعاها العام في العمل الثقافي من أجل عالم أكثر سلاماً وتسامحاً وإنسانية، حسب تعبير كويشيرو ماتسورا مدير عام اليونسكو، في حديثه عن هذه المؤسسة الثقافية العالمية في ذكراها الستين(20)، على أنها معنية بالإنسانية في طور البناء، من أجل التواصل بين الشعوب والتفاهم المتبادل والمعرفة الأكثر صدقاً واكتمالاً بمعيشة أحدها الآخر، وهذا هو جوهر التنوع الثقافي الذي يحترم الخصوصيات الثقافية لشعب وآخر، وانتظم ذلك مع تحقيق التعليم للجميع والتضامن الفكري والأخلاقي للبشرية وصيانة المعرفة وانتشارها من الثقافة التقليدية إلى الثقافة الرقمية، واستندت هذه المساعي إلى تحقق تطلعات أخرى، مثل ترويج التدفق الحرّ للأفكار وإيصال المعلومات للشريحة الأكبر من الناس وترويج التعبير عن التعددية والتنوع في وسائل الإعلام، وشبكات المعلومات العالمية، وضمان وصول الجميع إلى تقنيات المعلومات والاتصالات، وحماية التنوع الثقافي وتشجيع الحوار بين الثقافات والحضارات، وترويج التعليم كحق جوهري، وتحسين كفاءة التعليم، ونشر التجريب والحوار السياسي في التعليم، وترويج صياغة آليات لإرساء المعايير في الحقل الثقافي وتنفيذها، وترويج الأعراف المبدئية والأخلاقية لقيادة التطورات العلمية والتقنية والنشاط الاجتماعي، وتحسين أمن البشرية للمشاركة في مجتمعات المعرفة الجديدة، وتعزيز الصلات بين الثقافة والتنمية عبر بناء القدرات والتشارك في المعارف.‏
ولا أريد الخوض في تاريخ اليونسكو، وأكتفي بالإشارة إلى الحملة المعادية الأمريكية لهذه المنظمة العالمية في منتصف السبعينيات، واستمرت لأكثر من عقدين من الزمن، لأنها لا ترضخ للمطالب الأمريكية ـ الصهيونية. وقد أخذت الحملة الأمريكية ـ الصهيونية المعادية لليونسكو وقرارات المؤتمر العام بالتصاعد والاتساع، على مختلف الأصعدة، إذ قرر الكونجرس الأمريكي تجميد المساهمة الأمريكية في الميزانية التي اعتمدها المؤتمر العام، وحجب أي مساعدة أو عون مالي لليونسكو مباشرة أو غير مباشرة حتى الوقت الذي أبلغ فيه الرئيس الأمريكي الكونجرس عام 1975 أن الحل الأوحد هو أن تقوم اليونسكو باتخاذ قرار في المجلس التنفيذي بقبول الكيان الصهيوني في المنطقة الأوروبية، واتسعت مظاهر الحملة المعادية طويلاً، من خلال المساعي والضغوط الأمريكية الدبلوماسية الكثيرة، عبر العلاقات الثنائية مع الدول لإعادة النظر في قرار اليونسكو الخاص بالأنشطة، وتأسيس لجنة صهيونية دولية واسعة مقرها باريس، وذات موارد واسعة من أمريكا بخاصة، باسم «اللجنة في سبيل عالمية اليونسكو»، ثم شرعت أمريكا بتنفيذ مخطط رام إلى نسف قرارات المؤتمر العام، وأعلن عن التحرك الأمريكي للضغط على الدول الممثلة في المجلس التنفيذي بحجة أن هذا القرار (برفض انتماء إسرائيل إلى إقليم أوروبا)، سوف يحمل الكونجرس الأمريكي على تغيير موقفه من عدم دفع حصة الولايات المتحدة في اليونسكو.‏
وتواصلت أحكام حلقات الخطة المعادية للعرب وللرسالة الأخلاقية لليونسكو، واستمرار «فبركة» القضايا الكبرى وقمع الحوار الحضاري والدولي والنقاش تحت هاجس الخوف من إثارة موضوع الصهيونية، وتزايدت الضغوط الأمريكية لصالح مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني في تفاصيل مؤسية، وتأزم وضع اليونسكو في دورية الثانية والعشرين للمؤتمر العام 1983، وأنذرت أمريكا بالانسحاب في كانون الأول من العام نفسه، وتفجرت الأزمة مع المذكرة الأمريكية بالانسحاب، والقائمة على التسييس المفرط في عمل اليونسكو لصالح أمريكا بحجج واهية عن معاداة الحرية وإثارة مشكلات السلام ونزع السلاح، والتسرب الإيديولوجي، وقضايا الاتصالات وحرية الصحافة، وحقوق الشعوب بمفهومها الاجتماعي والاقتصادي والميزانية المنتفخة وأساليب وضعها المشوشة والمبهمة، وأوجه الإنفاق المالي وضعف الإدارة العامة، والشكوى الأمريكية من الأكثرية غير الممولة وسوى ذلك.‏
وانسحبت أمريكا من اليونسكو عام 1985، وأنذرت بريطانيا تعاطفاً مع أمريكا، بتعطيل المشاركة الثقافية العالمية، وانسحبت أيضاً، والتصقت الضغوط الأمريكية بالإساءة للعرب، وبالحملة المنظمة ضدهم إزاء الموقف من الصهيونية وإسرائيل والتصهين واللا موضوعية الإعلامية التي تريدها أمريكا لصالحها فحسب، وإخضاع الحوار الحضاري والدولي وفق المصالح الأمريكية..الخ، وتثمير اليونسكو ساحة للصراع السياسي خدمة للسياسات الأمريكية(21).‏
وقد أبلت المجموعة العربية بلاءً حسناً في المعارك المختلفة المتصلة بأبعاد الصراع العربي ـ الصهيوني التي تدخل في نطاق اختصاص اليونسكو، ثم تزايدت الضغوط الأمريكية إثر انتهاء الحرب الباردة واستقطابها للنظام العالمي الجديد إلى أن عادت قبل قرابة عقد من الزمن للتحكم باليونسكو، غير أن الصراعات لم تتوقف، وأشير إلى أنموذج اتفاقية التنوع الثقافي التي عارضتها أمريكا، بينما تعامل معها العرب وأتحدث عن أنموذجها في سورية.‏
يفيد التنوع الثقافي ويستفيد من التداول الحرّ للأفكار ودعم المبادلات والتفاعلات المستمرة بين الثقافات، مثلما يرتهن التنوع الثقافي بمدى وعي الذات والاستشراف المستقبلي إزاء ضغوط التاريخ واشتراطات الوجود، مما يؤثر كثيراً على تحقق حرية التفكير والتعبير وأشكاله التربوية والتعليمية والإعلامية والثقافية، ويفضي ذلك كلّه إلى تحقق المبادئ الرئيسة كالسيادة واحترام حقوق الإنسان وتساوي الثقافات والتضامن والتعاون الدولي والتكامل التنموي الشامل والمستدام والانفتاح على الذات والآخر.. الخ، غير أن تحقق هذه المبادئ مرهون بضبط الأحكام المؤسساتية الخاصة بالتنمية الثقافية، وتوسيع مجالات الإبداع والمشاركة الأهلية والخاصة وغير الرسمية في الحياة الثقافية دخولاً في المجتمع المدني، وقد بدأت سورية تعنى به، وتنميه منذ عقد من الزمن.‏
اتجه العمل الثقافي في سورية، إثر المشاركة في تحضير اتفاقية التنوع الثقافي وحمايته وتعزيزه في اليونسكو بباريس في 29/ 4/ 2005، وأقرت اليونسكو الاتفاقية على الرغم من رفض أمريكا لها في مؤتمر اليونسكو الأخير (باريس 12/ 10/ 2005)، وأشارت النتائج الرسمية التي أصدرتها اليونسكو إلى أن القرار تم تبنيه بـ 151 صوتاً، وصوتت الولايات المتحدة وإسرائيل ضد القرار، وامتنعت ثلاث دول عن التصويت، وجوهر الاتفاقية هو تحرر التعابير الثقافية المختلفة من القوانين التي ترعى التجارة الدولية والعولمة، وتحميه من الإمبريالية الثقافية الأمريكية، وشمل هذا الاتجاه نداءات راهنة ومستقبلية، غير أن تنفيذ الاتفاقية ينبغي أن يتلازم مع السياسات والتدابير التالية:‏
أ ـ مراعاة عناصر التمثيل الثقافي والخصوصيات الثقافية من الأعراف والطقوس والتقاليد والمعتقدات واللغة.. الخ.‏
ب ـ مراعاة معطيات التواصل الحضاري والحوار الحضاري إزاء اندغام التراث الثقافي القومي في تراث الإنسانية لنفي التطرف والإرهاب والإدعاءات والمزاعم والحجج.. الخ.‏
جـ ـ مراعاة آليات الإنتاج الثقافي وإعادة إنتاجه في ما تستدعيه قيم سلطة السوق الثقافية وسلطة المعرفة تعديلاً لمفهوم التسليع والاستهلاك، لأن الثقافة ليست سلعة، ولا تستهلك شأن الطعام والشراب واللباس والاستخدام اليومي فحسب، فهي سرعان ما تنغمر بالذات الإنسانية، ولا تفترق في الوقت نفسه عن الهوية قط.‏
د ـ مراعاة اعتبارات وعي قضايا التنوع الثقافي وتطوراتها ومشكلاتها إزاء الثقافة الرقمية ومجتمع المعرفة، ولا سيما النشر الإلكتروني والتنوع الثقافي في الانتشار (المالتي ميديا Malti media) ومنهلة النص والثقافة بعامة وتفريعه (Haper text) وأساليب الاتصال التفاعلي Interactive.‏
هـ ـ تمحيص مسائل النزاعات في التنوع الثقافي كاللغة، وثنائياتها، وإشكاليات تسييسها مثل الأمازيغية في دول المغرب العربي، وكالأديان والمعتقدات المعترف بها مثل الإسماعيلية والإباضية والوهابية.. الخ، وغير المعترف بها كالسبتيين واليزيديين.. الخ.‏
و ـ تمحيص تحققات المجتمع المدني وتعالقاته مع الأوقاف والشورى والزكاة والمحاكمة الدينية والزواج الشرعي.. الخ، لدى النظر في حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية.‏
ز ـ أهمية التنمية الثقافية من خلال الحوار الداخلي والحوار الحضاري مع الآخر للتخفيف من التطرف والإرهاب وذرائع اتهامات سورية عن غير حقّ أو واقع.‏
ح ـ تعزيز الهوية التي لا تعنى بالأنانية والتحكم الذاتي، بل احترام عناصر التمثيل الثقافي والخصوصيات الثقافية.‏
ط ـ احترام حرية البثّ، والتقليل من ضغوط الرقابة وتأثير السلطة على الإبداع في الأقطار العربية، والالتفات إلى أن السلطة لا تقتصر على السياسة والدولة والسلطان السياسي فحسب، على أن السلطان الاجتماعي أحياناً أرهب وأشد قسوة ما لم يراع التنوع الثقافي شأن رواية «قصر المطر» لممدوح عزام، التي طبعتها وزارة الثقافة، ثم نبذ شغله، وأهدر دمه، إلى أن قام حوار خفف من وطأته، وأضاء جوهر أدبه الذي لا يسيء إلى عقيدته.. الخ.‏
ي ـ مراعاة الأحكام المؤسساتية من العام إلى الخاص شأن مشكلة حقوق التأليف وتعضيد المؤسسات الأهلية والخاصة التي نمّتها سورية خلال العقد الماضي.‏
ك ـ مراعاة التعددية الثقافية، والتنبه إلى أهمية إبعاد التنوع الثقافية وتعددياته عن التسييس والسياسة الظالمة أو الجائرة بحقّ العرب والمسلمين خلال العقدين الأخيرين على وجه الخصوص، وأورد مثالاً مما كتبه سلمان رشدي في روايته «آيات شيطانية» التي تسيء إلى الإسلام، وله رأيه الحرّ، ولكنه كُلف مؤخراً رئيساً لنادي القلم الدولي برعاية الغرب، وأصدر مؤخراً عام 1998 رواية «زفرة المورا الأخيرة» (المورا هم بقايا العرب والمسلمين في أسبانيا وأوروبا)، وكأن العرب يلفظون شهقة نهايتهم ضمن أطروحات فوكوياما وهنتنغتون عن نهاية التاريخ وصراع الحضارات، على أن العرب منذ هزيمتهم عام 1492 حتى اليوم في سبيلهم للخروج من التاريخ، لأنهم متطرفون وإرهابيون يقودون صراع الحضارات... الخ.‏
تلكم هي أهم المخاطر التي تواجه التنوع الثقافي وسبل حمايته وتعزيزه، وأبرز الإجراءات والتدابير المتخذة لتحققه وترسيخ طوابع الهويات القومية المنفتحة على الإنسانية في الوقت نفسه. وتقلل هذه العناية بالتنوع الثقافي ووسائل حمايته وتعزيزه من التحكميات الأمريكية بالثقافة وتنميطها وفق مصالحها السياسية والاقتصادية.‏
أظهر نقد الممارسات السياسية الأمريكية على الصعيد الدولي أشكال العدوان الخارجي والداخلي على العرب والمسلمين، مثلما يتطلب ذلك مواجهته بصون الذات وحمايتها في مسارات عديدة.‏
ـــ د.عبد الله أبو هيف
المصادر والمراجع:‏
ـ إدوار تيفنان: اللوبي، القوة السياسية اليهودية والسياسة الخارجية الأمريكية، (ترجمة: حسن عبد ربه المصري)، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة 495، القاهرة، 2003.‏
ـ باروخ كيميرلينغ: القتل السياسي، حرب أرئيل شارون ضد الفلسطينيين، (ترجمة: عمار أحمد حامد)، دار الرائي، دمشق، 2004.‏
ـ برنارد لويس: تنبؤات مستقبل الشرق الأوسط، دار الرياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 2000.‏
ـ برنارد لويس: الإسلام وأزمة العصر، (ترجمة: أحمد هيكل)، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة 741، القاهرة، 2004.‏
ـ تشارلز لويس: من يشتري الكونغرس الأمريكي، ملامح الفساد في السلطة التشريعية، (ترجمة: عمار أحمد حامد)، دار الرائحي، دمشق، 2004.‏
ـ توفيق المديني: وجه الرأسمالية الجديد، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2004.‏
ـ جلال أمين: عولمة القهر، دار الشروق، القاهرة، 2002.‏
ـ حسن نافعة: العرب واليونسكو، سلسلة عالم المعرفة 135، الكويت، آذار 1989.‏
ـ ديبورا.ج. جيرنر: الشرق الأوسط المعاصر، محاولة للفهم، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة 565، القاهرة، 2003.‏
ـ صالح السنوسي: العولمة ـ أفق مفتوح وإرث يثير المخاوف، دار ميريت للنشر والمعلومات، القاهرة، 2003.‏
ـ عبد الحسين شعبان: جامعة الدول العربية والمجتمع المدني العربي، الإصلاح والنبرة الخافتة، مركز المحروسة، القاهرة، 2004.‏
ـ عبد الله أبو هيف: الثقافة العربية وتحديات العصر، سلسلة كتاب الرياض 139، الرياض، 2005.‏
ـ عبد الله أبوهيف: الشرق أوسطية والفكر العربي، دار المنهل، دمشق، 1996.‏
ـ عبد الوهاب حميد رشيد: التحول الديمقراطي والمجتمع المدني، دار المدى، دمشق، 2003.‏
ـ عزيز الحاج: اليونسكو، ضوء في آخر النفق، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1987.‏
ـ عدة مؤلفين: التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي، الكتاب السنوي 2004، مركز دراسات الوحدة العربية ومعهد استوكهولم لأبحاث السلام الدولي، والمعهد السويدي بالإسكندرية، بيروت، 2004.‏
ـ عدة مؤلفين: الديمقراطية الأمريكية، التاريخ والمرتكزات، مجموعة دراسات بعنوان «أوراق الديمقراطية» نشرتها وزارة الخارجية الأمريكية، (ترجمة وتعليق: حسن عبد ربه المصري)، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة 774، القاهرة، 2005.‏
ـ عدة مؤلفين : في الذكرى الستين لتأسيس اليونسكو، الإنسانية في طور البناء، كتاب في جريدة، عدد 92، الأربعاء 5/نيسان/2006.‏
ـ مايكل. جي. هوغان (تحرير): نهاية الحرب الباردة مدلولها وملابساتها، (دراسة وترجمة: محمد أسامة القوتلي)، وزارة الثقافة، دمشق، 1998.‏
ـ مايكل بارتني: ديمقراطية للقلة، (ترجمة: حصة منيف)، المجلس الأعلى للثقافة،‏
المشروع القومي للترجمة 464، القاهرة، 2005.‏
ـ محمد مقدادي: العولمة رقاب كثيرة وسيف واحد، المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت،2000.‏
ـ محمد مقدادي: أمريكا وهيكلة الموت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2004.‏
(1) صالح السنوسي: العولمة ـ أفق مفتوح وإرث يثير المخاوف، دار ميريت للنشر والمعلومات، القاهرة، 2003.‏
(2) محمد مقدادي: العولمة رقاب كثيرة وسيف واحد، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2000، ص12 ـ 13.‏
(3) محمد مقدادي: أمريكا وهيكلة الموت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2004.‏
(4) جلال أمين: عولمة القهر، دار الشروق، القاهرة، 2002.‏
(5) عدة مؤلفين: التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي، الكتاب السنوي 2004، مركز دراسات الوحدة العربية ومعهد استوكهولم لأبحاث السلام الدولي، والمعهد السويدي بالإسكندرية، بيروت، 2004، ص863 ـ 866.‏
(6) مايكل بارتني: ديمقراطية للقلة، (ترجمة: حصة منيف)، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة 464، القاهرة، 2005.‏
(7) الديمقراطية الأمريكية، التاريخ والمرتكزات، مجموعة دراسات بعنوان «أوراق الديمقراطية» نشرتها وزارة الخارجية الأمريكية، (ترجمة وتعليق: حسن عبد ربه المصري)، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة 774، القاهرة، 2005.‏
(8) تشارلز لويس: من يشتري الكونغرس الأمريكي، ملامح الفساد في السلطة التشريعية، (ترجمة: عمار أحمد حامد)، دار الرائحي، دمشق، 2004.‏
(9) برنارد لويس: تنبؤات مستقبل الشرق الأوسط، دار الرياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 2000، ص134.‏
(10) برنارد لويس: الإسلام وأزمة العصر، (ترجمة: أحمد هيكل)، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة 741، القاهرة، 2004، ص170.‏
(11) باروخ كيميرلينغ: القتل السياسي، حرب أرئيل شارون ضد الفلسطينيين، (ترجمة: عمار أحمد حامد)، دار الرائي، دمشق، 2004، ص200.‏
(12) عبد الله أبو هيف: الشرق أوسطية والفكر العربي، دار المنهل، دمشق، 1996.‏
(13) مايكل. جي. هوغان (تحرير): نهاية الحرب الباردة مدلولها وملابساتها، (دراسة وترجمة: محمد أسامة القوتلي)، وزارة الثقافة، دمشق، 1998، ص271 ـ 287.‏
(14) توفيق المديني: وجه الرأسمالية الجديد، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2004، ص193 ـ 213.‏
(15) إدوار تيفنان: اللوبي، القوة السياسية اليهودية والسياسة الخارجية الأمريكية، (ترجمة: حسن عبد ربه المصري)، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة 495، القاهرة، 2003.‏
(16) ديبورا.ج. جيرنر: الشرق الأوسط المعاصر، محاولة للفهم، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة 565، القاهرة، 2003.‏
(17) عبد الوهاب حميد رشيد: التحول الديمقراطي والمجتمع المدني، دار المدى، دمشق، 2003.‏
(18) عبد الحسين شعبان: جامعة الدول العربية والمجتمع المدني العربي، الإصلاح والنبرة الخافتة، مركز المحروسة، القاهرة، 2004.‏
(19) عبد الله أبو هيف: الثقافة العربية وتحديات العصر، سلسلة كتاب الرياض 139، الرياض، 2005.‏
(20) في الذكرى الستين لتأسيس اليونسكو، الإنسانية في طور البناء، كتاب في جريدة، عدد 92، الأربعاء 5/نيسان/2006.‏
(21) انظر على سبيل المثال:‏
ـ عزيز الحاج: اليونسكو، ضوء في آخر النفق، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1987.‏
ـ حسن نافعة: العرب واليونسكو، سلسلة عالم المعرفة 135، الكويت، آذار 1989.‏


Aucun commentaire: