احتضنت كلية العلوم القانونية والاقتصادية والتصرّف بجندوبة غضون الأسبوع المنقضي فعاليات ملتقى علمي حول مرور نصف قرن على فقه القضاء الجزائي التونسي وذلك بالاشتراك مع كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس
ومركز الدراسات القانونية والقضائية وقد أشرف على افتتاح هذا الملتقى السيّد لزهر بوعوني وزير العدل وحقوق الإنسان الذي أبرز أن هذا الملتقى مناسبة يلتقي فيها الجامعيون بالقضاة والمحامين لإعمال الرأي في تطبيق النصوص القانونية في المادة الجزائية , واختتمه في يومه الثاني والأخير السيّد البشير التكاري وزير التعليم العالي والبحث العلمي الذي تساءل عن إمكانية الحديث حول فقه قضائي في ظلّ قانون جزائي تطغى على تطبيقه الإشكالات والإجراءات ويكون فيه الاجتهاد محدودا।
نصف قرن من فقه القضاء الجزائي...ماذا أضاف؟
ويلعب فقه القضاء دورا بارزا في تفسير وتطوير مضمون الأحكام القانونية الجزائية ممّا يجعل دراسة النصّ القانوني دون الالتفات الى كيفية تطبيقه من قبل القضاء دراسة منقوصة و مبتورة و بالتالي فان التكوين الأكاديمي للباحثين والأساتذة سيكون منقوصا باعتبار أن الكثير من الأحكام التي تتضمّن عقوبات جزائية لا يمكن الإلمام بها وفهمها إلا بالرجوع إلى التطبيق القضائي وقد تمّ في هذا الملتقى طرح كل الإشكالات القانونية سواء على مستوى تطبيق النصوص التشريعية قضائيا أو على مستوى الاجتهادات فقه القضائية طوال نصف قرن. «الأسبوعي» توجهت بسؤال لأبرز المشاركين في الملتقى حول ماذا أضاف فقه القضاء الجزائي للمنظومة القانونية التونسية وهل من قرارات مرجعية ساهمت في خلق نصوص وإرساء قواعد تشريعية...
السيد المنجي الأخضر الرئيس الأول لمحكمة التعقيب):فقه القضاء الجزائي ودور محكمة التعقيب(
نحن نعرف أن النصوص الجزائية عندما تصدر تكون مشتملة على مسائل عامة دون الدخول في التفاصيل لكن عند تطبيق القانون تظهر بعض الإشكاليات ودور محكمة التعقيب هو شرح هذه الإشكاليات وإعطاء رأيها من الناحية القانونية ويتمّ هذا عن طريق القرارات التي تصدر باسم الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب عندما تتعهّد بالطعن بالتعقيب الجزائي وكثيرا ما تؤسس هذه القرارات لقاعدة فقه قضائية جزائية تكون مرجعية وملزمة حتىّ لقضاة الأصل ومحاكم الموضوع...ومن بين القرارات التعقيبية الثورية والتي مثلّت مرجعا للمشرّع خاصّة ليستلهم منها أحكام الفصل 132 مكرّر الذي أضيف لمجلّة الإجراءات الجزائية بمقتضى تنقيح سنة 1993 قرارا تعقيبيا صادرا عن الدوائر المجتمعة في 30 جانفي 1976 والقاضي بأنه لا يمكن محاكمة الشخص من أجل نفس الفعلة مرتين ولو تحت وصف أخر.
عبد المجيد بن فرج وكيل الدولة العام لدى محكمة التعقيب):جرأة لا تغيب عن القرارات التعقيبية(
محكمة التعقيب ساهرة على حسن تطبيق القانون والتجربة التي مرّت بها هذه المحكمة منذ فجر الاستقلال إلى اليوم سمحت لها بإصدار آلاف القرارات التعقيبية التي هي منهاج لفائدة قضاة الأصل باعتبار أن فقه القضاء يعتبر مصدرا من مصادر التشريع فيقع الرجوع إلى هذه القرارات من طرف محاكم الموضوع ابتدائيا واستئنافيا للاستئناس بهذه القرارات ناهيك عن الاستئناس بها من طرف رجال القانون والمحامين والدارسين وهنا تكمن الأهمية الكبرى للقرارات التعقيبية كما أنه ليس ببساطة بمكان استحضار أهمّها فكلّها مهمة وتتصف بالجرأة لكن يبقى إبطال القرار المطعون فيه تعقيبا على أساس الخطأ البيّن قرارا مرجعيا وجريئا وهذه الجرأة لم تحدّ منها كثافة القضايا وضغط العمل فقضاة التعقيب لهم ما يكفي من روح البذل و العطاء لمباشرة مهامهم بكل ثقة و في كنف روح المسؤولية.
السيد حسن بن فلاح المساعد الأول وكيل الدولة العام لدى محكمة التعقيب):فقه القضاء والمبادئ الدستورية(
فقه القضاء يحاول إيجاد الحلول لبعض المشاكل الخاصّة اعتبارا لأن القانون يورد قواعد عامّة قد لا تحلّ بعض الإشكاليات الخاصّة وهنا يبرز دور القاضي وفقه القضاء بصفة عامة لإزالة ما يكتنف بعض القوانين من غموض والتباس وهو ما يجعل محاكم الأصل تستنير بفقه القضاء الصادر عن الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب ...ولاحظنا وبصفة ملموسة قدرة فقه القضاء الجزائي التونسي على تأسيس القاعدة التشريعية مثل قاعدة تفريد العقوبات التي انطلقت كقاعدة فقه قضائية وباتت قاعدة قانونية ,كذلك فيما يتعلّق بالمحاكمة العادلة و الإيقاف التحفّظي الذي خلقها فقه القضاء وارتقت إلى مرتبة المبادئ الدستورية...وما على القاضي إلا أن يتسلّح بالجرأة و الإقدام لفهم روح النصّ وسبر غايات المشرّع حماية للحقوق ولقاعدة العدل والإنصاف.
مصطفى بن جعفر رئيس دائرة بمحكمة التعقيب):179 قرارا تعقيبيا(
عندما نتحدّث عن فقه القضاء نتحدّث عن فقه وقضاء بمعنى مجموعة من الأفكار التي تقع بلورتها في قرارات قضائية نافذة ,ففقه القضاء هو في نفس الوقت إعطاء النصوص التأويل الذي تستحقه وعند الاقتضاء التقيّد بالمبادئ العامة التي تسوس المادة الجزائية...وقد أسهمت عينة من 179 قرارا جزائيا تعقيبيا - وللأمانة 175 قرار لأن بعضها أعيد نشره طوال نصف قرن - في إرساء قواعد فقه قضائية مرجعية نتجت عن اجتهاد قضائي متميّز وأفضت إلى خلق وتأسيس قواعد تشريعية ونصوص قانونية ملزمة.
الهادي التريكي مدير المعهد الأعلى للمحاماة): المحامي يصنع القرار والقاضي يصدره(
حول علاقة المحامي بفقه القضاء أفادنا الأستاذ التريكي «المحامي عندما يباشر القضية سواء كانت جزائية أو مدنية أو تجارية يعتبر برتبة قاضي أوّلي باعتباره يرسم التوجّه المبدئي الذي قد يستدلّ به القاضي لقول كلمة الفصل وبالتالي المحامي يصنع القرار والقاضي يصدره وبالتالي هناك علاقة تفاعلية بين المحامي والقاعدة فقه القضائية والمحامي يعمل من موقعه على تطوير جانب مهم من هذه القاعدة باعتباره كثيرا ما يعطي الحلول والتوجّه القانوني للنزاع .فالاجتهاد من نصيب القاضي والمحامي فتوجهات هذا الأخير واستدلالاته تؤثر على قرار القاضي وتوجهه في أحيان كثيرة.
البشير المنوبي الفرشيشي أستاذ بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس): الدعم والجرأة(
ما يلاحظ هو أن فقه القضاء تطوّر تطوّرا ايجابيا من حيث المادة الخلاقة التي أفضت إلى صدور العديد من القرارات التعقيبية الثورية نورد على سبيل الذكر تيسير الطعن لفائدة القائم بالحق الشخصي دون اشتراط معاضدة النيابة العمومية على اثر قرار تعقيبي صادر سنة 2000 لينهي بذلك عقودا استمرت منذ 1968 تقضي برفض مطلب الطعن من قبل القائم بالحق الشخصي شكلا وبقطع النظر عن المضمون ما لم تعاضده النيابة العمومية كتابيا...
ورغم ذلك يبقى فقه القضاء الجزائي في حاجة إلى الدعم من خلال تخفيف ضغط القضايا على جلسات الدوائر المجتمعة التي تنظر سنويا في أكثر من 2500 قرار تعقيبي بمعدّل يومي يراوح بين 60 و70 ملف قضية وهو ما قد يؤثّر على روح الخلق لدى القضاة بمفعول ضغط العمل اليومي ويحدّ من الجرأة في تناول النص القانوني فما يلاحظ هو أنه بعد 50 سنة هناك نصوص إجرائية جزائية رائعة لكن مع الأسف التطبيق غير مواكب لصراحة النصّ وروحه ونضرب مثالا على ذلك النصّ المتعلّق بالإنابة العدلية حضور المحامي في مراكز الأمن فالتطبيق مازال متأخرا جدّا عن تقدّم النصّ.
عبد الله الأحمدي محامي وأستاذ قانون): العقوبات العادلة(
للمحامي دور كبير في التأثير على فقه القضاء لأنه إذا قام بمجهود جدّي ودراسة عميقة لملفّ القضية وقدّمها للمحكمة وأقنعها فهذا من شأنه أن يخلق أرضية لولادة قاعدة فقه قضائية ...والمادة الجزائية رغم أن تأويلها ضيّق لكن هذا لا يمنع اجتهاد القضاة لتطوير فقه القضاء في المادة الجزائية.
ومن القرارات المرجعية نجد قرارا صدر سنة 2003 وفيه نقضت محكمة التعقيب قرارا استئنافيا على أساس قواعد العدل والإنصاف وارتأت أن العقاب كان صارما وأعطت فرصة للمتهم كي يستفيد من ظروف التخفيف أمام محكمة الإحالة بناء على العدل و الإنصاف...علما وأن هناك اتجاه عالمي حديث نحو إرساء مفهوم العقوبة العادلة وعلى المحكمة أن تراعي ظروف المتهم في تقدير العقاب.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire