mercredi 30 mars 2011

رسالة مفتوحة إلى السيد عياض بن عاشور: هل تتناقض السيادة مع الشفافية؟ ؟

عدنان المنصر: مؤرّخ، مواطن حرّ
الأستاذ عياض بن عاشور، رئيس “الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة”…إلخ



د. عدنان المنصر

تابعت كأغلب المواطنين تصريحاتكم الأخيرة للصحافة، وكانت في كل مرة تحدث لدي حالة من التوجس الذي يمكن أن تتفهموه. حتما، لستم في موقع قيادة الثورة، ولن نطالبكم بذلك، كما لن نطالبكم بأن يكون خطابكم متماشيا تماما مع منطق الثورة، فقد جئتم إلى هذه الهيئة كرئيس للجنة الإصلاح السياسي، وأضيفت إلى أعبائكم أعباء أخرى في ظننا أنكم لم تكونوا متحمسين لها. لا مشكل سيدي، يكلف المرء أحيانا بأكثر مما يريد، غير أنه يجب عليه تبعا لذلك أن يساير المنطق الذي كلف على أساسه. على عكس الكثير من أبناء وطني أيضا أعتقد أنه بإمكانكم فعل الكثير من الأشياء، ولا أذهب إلى ما يذهبون إليه أحيانا في الحكم عليكم، فقد قرأت معظم ما كتبتموه في المجال الأكاديمي، ولم أشك لحظة في حسن اختياركم لموقعكم السياسي طيلة العهد البائد، وفي تحملكم لكل التهميش الذي تعرضتم إليه في سبيل ذلك.
ما لا أفهمه سيدي، هو بعض التناقض فيما تصرحون به من حين لآخر. فمنذ بضعة أيام، وفي معرض حديثكم عما تتطلبه انتخابات المجلس التأسيسي من استعدادات لوجستية وسياسية، قلتم أن الحل الوحيد لإنجاز هذه الانتخابات في وقتها، هو الاستعانة بالخبرات الدولية خاصة في مجال تدريب مراقبي الانتخابات من التونسيين. وكنتم قبل ذلك قد أشدتم بما يمكن أن يقدمه الخبراء الدوليون من ضمانات لشفافية الانتخابات وحسن سيرها. كما صرحتم قبل ذلك، عندما كان الأمر يتعلق بإصلاحات دستورية، أنه إذا كان أصحاب القرار يريدون دستورا ديكتاتوريا، فإن عليهم البحث عن شخص آخر يقوم بهذه المهمة. لكن تصريحكم البارحة قد قلب ظهر المجن لكل التطمينات التي تفضلتم بها سابقا، عندما تحدثتم عن عدم إمكانية الاستعانة بمراقبين أجانب في الانتخابات القادمة. سؤال واحد سيدي: من خولكم الحديث في هذا الموضوع وإبداء رأيكم الشخصي في قضية تتجاوز حدود مهامكم؟ وعندما فعلتم ذلك لماذا لم تكلفوا أنفسكم مشقة إنارة الرأي العام حول الفارق بين الملاحظين والمراقبين ؟ هل يعني ذلك أنكم سترفضون الملاحظين أيضا؟ من ناحية مبدئية: بأي صفة كنتم تدلون بهذا التصريح؟ ألم تتفقوا في الهيئة المذكورة على أن أيا من أعضائها ليس له الحق في التصريح بأفكار سياسية مستخدما صفته كعضو في الهيئة؟
ثم عن أية سيادة تتحدثون وقد أحسنتم بالحديث عن هذا الموضوع إعادتنا إلى جو نفسي وسياسي كامل أتقن النظام السابق استعماله للاستفراد بكل العمليات الانتخابية التي تمت تحت سماء هذه البلاد؟ تتفهمون سيدي، بحكم اختصاصكم الأكاديمي، أن السيادة مصطلح يحتمل الكثير من المضامين، وأن سيادة الدولة تزيد ترسخا بإتباعها طريق الشفافية وتحقيق المصالحة بين المواطنين وصندوق الاقتراع. تعلمون أيضا سيدي أنه ليس بوسع أحزابنا ومنظماتنا اليوم أن تضع مراقبين للعملية الانتخابية في كل مراكز الاقتراع، وهي بحسب ما صرحتم به تتراوح بين 6 آلاف و 10 آلاف مكتب. تعلمون أيضا سيدي أنه لا يفترض بالمراقبين فقط أن لا يكونوا منتمين لأحزاب، كما تعلمون أن الأحزاب لن تتقدم في كل الدوائر، مما يعطينا في المحصلة مشكلا حقيقيا.
لست مضطرا لإعادة الأفكار التي كتبتموها بصفتكم الأكاديمية في هذا الخصوص، بل إلى تذكيركم بفكرة واحدة ملخصها أن التونسيين ليست لهم ثقة في الإدارة بحكم تراثها في سلب إرادة الناخبين. أحسب سيدي أن هذه الوضعية لم تتغير برغم كل ما حصل في بلادنا، وأن التونسيين، وأنا واحد منهم، لا يثقون في هذه الإدارة مهما فعلت، وأنه لا يريد أن يكون لها أي دور في هذه الانتخابات ولا التي قبلها، وأن الهيئة العليا للانتخابات المزمع تشكيلها لا تمثل ضمانة كافية لشفافية الانتخابات التأسيسية المقبلة.
نخشى سيدي أن يكون تصريحكم في هذا الشأن نوعا من التوجيه لعمل الهيئة العليا، وهو غير مطلوب منكم مطلقا. ونخشى أيضا أن تكون فكرة عدم الاستعانة بمراقبين أو ملاحظين أجانب مقدمة للتخفيض من عدد مراقبي الانتخابات، وبالتالي مكاتب الاقتراع، الذين ستحتاج إليهم العملية الانتخابية. نسألكم سيدي: هل اتخذتم (بنفس الصفة التي لبستموها عند قيامكم بالتصريح الأخير) القرار في تخفيض عدد مكاتب الاقتراع، وبالتالي تكبير الدوائر الانتخابية، وبالتالي نظام الاقتراع على القوائم؟ طبعا ستجيبوننا، إن تفضلتم طبعا، بالقول مجددا أن السيادة مسألة مبدئية، أليس كذلك؟
ما يقلقني ويقلق الكثير من مواطني بلدي، هو تعاملكم مع اللجنة التي تترأسونها، حتى قبل أن يتغير اسمها، بطريقة لا تلبي كل انتظارات التونسيين الخائفين على مستقبل بلادهم من عودة الديكتاتورية. فمنذ البداية، عندما كان الأمر يتعلق فقط باقتراح إصلاحات سياسية، اخترتم تركيبة لا أجد لها من التوصيفات سوى أنها كانت مزاجية، رغم احترامي لمعظم أعضائها، حيث يبدو أنكم خلطتم بين منطق إنشاء هذه اللجنة، بصفتها وطنية يجب أن تمثل كل الحساسيات، وبين منطق فريق العمل الأكاديمي الذي يتطلب نوعا من “التجانس النفسي” بين أعضائه، أو فلنقلها قدرا معينا من “الصداقة”، مثلما نعرف ذلك في الجامعة. الأمران مختلفان سيدي، ولا أحسب أننا متناقضان هنا. لماذا أصررتم سيدي على إقصاء كفاءات قانونية كبيرة من تركيبة لجنتكم ثم هيأتكم؟ لماذا تقصون الأفكار المخالفة حتى في الساحة القانونية؟ أحسب أنكم لم تجيبوا إلى حد الآن على هذا السؤال، وها إننا لا نزال ننتظر.
على نفس المنوال كنتم قد صرحتم بعدم علمكم بتركيبة “الهيئة العليا” في صيغة الواحد والسبعين، ثم قلتم أنكم ستنقلون تخوفاتنا إلى الحكومة. والبارحة، عندما انتقد بعض أعضاء الهيئة الطريقة التي تمت بها عملية تغيير وزير الداخلية، صرحتم أنكم ستنقلون انتقاداتهم للحكومة، مثلما قلتم أيضا سابقا أنكم ستنقلون انتقادات الأعضاء والرأي العام لطريقة السرية المعمول بها في الجلسات، ولا زلنا ننتظر. نذكركم سيدي أنه بمقتضى المرسوم المحدث للهيئة فإن لأعضائها الحق في متابعة عمل الحكومة، لذلك، فإن اكتفاءكم بنقل الانتقادات لا يتماشى مع طبيعة المهام التي أوكلت للهيئة العليا.
كل هذا ثانوي أمام نقطة أود العودة إليها وهي قضية الشفافية والسيادة. هل تتناقض السيادة مع الشفافية؟ تعلمون أنه في كل البلدان ضعيفة التجربة الديمقراطية، سواء كانت خارجة من عهد استعماري أو من عهد استبدادي، فإن أهم ما يمكن تأسيسه هو علاقة جديدة بهياكل التمثيل التي ترمز إلى الدولة، أي هنا بالذات بمؤسسات الدولة التمثيلية. هذه هي السيادة الوحيدة التي يجب ترسيخها، وما عدا ذلك فله وقت آخر، وظروف أخرى. تعلمون أيضا سيدي أنه في هذه الحالات، تستعين الديمقراطيات الناشئة بتجارب الأمم الأخرى الأكثر عراقة في مسائل الانتخاب، وأنه لا يجب بالضرورة الاستعانة بحكومات، وإنما أيضا بمنظمات غير حكومية، وهي موجودة وكثيرة وذات تجربة في عالمنا اليوم. مع ذلك تصرون على رأيكم، وقد أحسنتم في الحقيقة إثارة مخاوفنا. هل هناك شيء يجب إخفاؤه عن الأنظار حتى ترفضوا تشريك منظمات دولية، تحت غطاء رفض المراقبين الأجانب، بهذه الطريقة؟ رأيت بعض الحرج على ملامحكم عند تصريحكم بالأمر، ورأيتكم تقومون بهذا التصريح من قاعة مجلس المستشارين حيث عقدت الهيئة اجتماعها البارحة، مما يتناقض مع المبادئ التي أعلنتموها بأنفسكم عندما قلتم أكثر من مرة أن دوركم تقني بحت، وهو ترجمة الإجماع في شكل مشاريع قوانين ومراسيم. وسؤالي هو نفسه مرة أخرى: من خولكم ذلك؟ هل طرحتم هذا السؤال على أنفسكم، على الأقل بعد بث التصريح في القنوات التلفزية؟ نأمل أنكم فعلتم.
عدنان المنصر، 30 مارس 2011

Aucun commentaire: