mercredi 18 janvier 2012

التقارب الأمريكي من الإخوان المسلمين

 http://shabab.ahram.org.eg/MediaFiles//f295da127d%5B1%5D_7_1_2012_34_3.jpg
أراقب باهتمامٍ أجده مبرراً التقارب الأمريكي من الإخوان المسلمين ولا أنكر عجبي من الكثيرين ممن يستنكرونه أو يعلقون عليه بحماسٍ ممزوجٍ بالدهشة كما لو كان ذلك التقارب خرقاً لقاعدةٍ سياسيةٍ أو تعدياً على محظورٍ من ثوابت الفكر الاستراتيجي الأمريكي، ولا أخفي متعتي الفائقة بمتابعة حملة التشهير بأمريكا وتدخلها في شؤون مصر الداخلية التي يشنها كتبة النظام وإعلاميوه من رجال كل عصر في برامج الـ'توك شو' التي لا حصر لها وخاصةً حين تتخطى التعريض إلى تهديد أمريكا بالويل والثبور والدمار إن هي تجرأت على المساس أو الانتقاص من سيادة مصر...ذلك أن أنظمةً عربية عديدة ومتباينة ظاهرياً عودتنا على تلك العينة من التصريحات في مناسباتٍ كثيرة والمدهش أنها لم تفقد بعد مقدرتها على التسلية وانتزاع الضحك في واقعٍ مؤلمٍ مليءٍ بالتوتر.
ولما كنت أؤمن بأننا نعيش مرحلة الدوامات الصغيرة من تربيطات ومناورات بين شتى الفصائل والأطراف اللاعبة وصاحبة المصالح على الساحة السياسية ومن بينها بالطبع أمريكا وأن الشكل الجديد للمجتمع سيأتي حصيلةً لتلك المرحلة فإن أفكاراً ملحة بخصوص هذا الغزل بين الإخوان و أمريكا وتصوراتنا عنها وعلاقتنا بالغرب بالتحديد دفعتني لكتابة هذا المقال.
أولاً، هناك الغرب...كان ومازال يشغلنا ويسكن أذهاننا، فمنذ فجر تاريخنا وعلاقتنا معه علاقة عداوة بصورة شبه دائمة، فنحن لم يأتنا عبر المتوسط سوى الغزاة... صحيح، لكن علاقتنا به ليست بهذه البساطة بل هي متشعبة، معقدة أشد التعقيد ومتناقضة في أغلب الأحيان، ليس أدل على ذلك من حملة التنديد الهزلي الرديئة بأمريكا من قبل نظامٍ أعلن رأسه وقرر منذ مايقارب الأربعة عقودٍ الآن أن تسعةً وتسعين بالمائة من أوراق مشاكله وكيان ومصيرالمنطقة الواقع فيها بلده في يد أمريكا؛ وهو لم يعادِ الولايات المتحدة أو يحاول تقوية موقفه قبالتها بناءً على هذه القناعة وإنما انساق في ركابها وهرول لاهثاً وراء حلولها وما تلقيه إليه من الفتات مفرطاً وكاسراً كل ثوابته ومبدداً نقاط قوته وحارقاً كل أوراقه ليلقاها أبداً عارياً ضعيفاً...ثم تبعه الآخرون...إن هذا النظام/ المسخ الذي راهن على أمريكا تماماً لا يجد بديلاً عن مهاجمتها (فقط في العلن بالطبع..) لاستنفار النخوة الوطنية وعواطف العداء لدن أي خلافٍ سطحي أو تافه يرتأي فيه انتقاصاً أو شبه محاولة لتحجيم مزايا أو مكاسب أو سلطات المنظومة الحاكمة بينما يمد يده قابلاً المعونة ومستجدياً القمح ومنفذاً في طاعةٍ عمياء تصل حد الصغار كافة التعليمات، ولا حاجة بي للتأكيد على تطابق الحال مع بقية الأنظمة العربية الدائرة في فلك أمريكا (قد تسألني: وهل هناك غيرها؟ إلا أن للإجابة على هذا مجالاً آخر...)...وقد يبدو للوهلة الأولى كل ذلك مضحكاً وعبثياً، وأتفق على أنه كذلك بالفعل، غير أنه يشف عن حقيقةٍ اخرى أهم وأثبت ألا وهي أننا في تاريخنا هاجمنا الغرب وصادقناه، حاربناه وهادناه، تقاربنا منه ونفرنا، تاجرنا معه...ندرك أنه تاريخياً لم يقم سوى بسرقتنا ولسنا بمبالغين كثيراً في ذلك...نلومه على كل مصائبنا ونقائصنا، وعلى الرغم من كوننا مفتونين به ونستهلك منجزاته المادية بنهمٍ قل أن تجد له مثيلاً فإننا ما ننفك نهاجمه ونكن له أعمق الكراهية والحقد...
إلا أننا لا نفهمه...ليس فقط أننا لا نتحمل المسؤولية فنحاول نقد أنفسنا وموروثنا الفكري وإنما نحن لا نسعى على المستوى الجماهيري لفهم عقلية الغرب وطبيعة عمل الأنظمة فيه وهيكل السلطة وجوهر الصراعات فيه...كم من الناس في بلداننا لعن أمريكا وبريطانيا والغرب عموماً وخرج في مظاهراتٍ حاشدةٍ تهاجمهم، وكم تابعنا الانتخابات الأمريكية مؤملين أن تسفر عمن يحل لنا مشاكلنا فيأتي بالفرج؛ إلا أن الغالبية الساحقة لا تفهم ذلك النظام الذي أقروا بشكلٍ أو بآخر بتعلق مصيرهم به ولا بآليات عمله وصنع القرار فيه، ما خلا مفهوم جماعات الضغط اللوبي فيما يتعلق بالصهيوني منها...قليلٌ أولئك الذين يفهمون الخلافات بين الحزبين الرئيسين أو يعرفون الكثير أو حتى ما يكفي عن القواعد الشعبية التي يمثلانها...عوضاً عن ذلك فنحن ننزلق إلى تفسيراتٍ خرافية ونخوض صراعنا الحقيقي جداً مع أمريكا وفق مفاهيمٍ ملتبسة للغاية...نخوضه على أرضية صراع الخير والشر والمبادئ واختلاف الأديان وصراع الحضارات بدلاً من وضعه في إطار هيمنة رأس المال ومصالحه وأطماعه في مصادر الطاقة وعقود السلاح الخ...تماماً كما اختزلنا صراعنا مع الصهاينة في البعد الديني بدل أن نضعه في سياق مصالح الإمبريالية الرأسمالية الغربية والتخلص من الفائض البشري اليهودي...ثم قارن ذلك الجهل بدراية الصهاينة الحميمة بالمجتمعات الغربية وبآلياتها السياسية مما يمكنهم من ممارسة ذلك الضغط الذي طالما جارنا بالشكوى منه...
هناك مفكرون وكتاب حاولوا شرح وترسيخ مفاهيم أساسية عن طبيعة صراعنا مع الغرب ودوافعه بمنهجيةٍ علمية، وفيما مضى، في ستينيات القرن الماضي، كانت هناك محاولات جادة للتوعية من أمثال سلسلتي كتب إعرف عدوك وفي المعركة التي تناولت المعسكر الغربي وذراعه الإسرائيلية بالدراسة والتشريح، إلا أن تلك المحاولات ذابت في طوفان الخطاب الحماسي والديني والعاطفي مع تغير الموج في زمن الانحسار والاندحار على عهد الرئيس المؤمن...
لو أننا استمرينا في محاولة الاستيضاح والفهم لتخلصنا شيئاً فشيئاً من تصوراتنا غير الواقعية و لأدركنا أن أمريكا والغرب ليسوا جمعيةً خيرية وإنما دول تحركها المصالح الاقتصادية كما أنها ليست مجتمعات مصمتة على رأيٍ واحد بل تزخر بتياراتٍ سياسية وجماعات الضغط وبؤر النفوذ...لفهمنا أن أمريكا لا بد مدركةٌ عمق الثورة المصرية، وأنها بالتأكيد ستحاول ألا تعيد خطأها حين استعدت الثورة الإيرانية (فليس سوى العرب يعيدون أخطاءهم بحماقة!)...لفهمنا أن مصالح أمريكا في نفط الخليج هي الأهم بالنسبة لها، وأنها في سببيل حمايتها سوف تبذل كل ما في وسعها لاستيعاب الثورة المصرية، وأنها لما تبين لها قوة الإسلاميين وحضورهم على الأرض أدركت أن المصلحة تحتم عليها التعامل معهم واستمالتهم فخفت لمقابلتهم في منتصف الطريق، ومن يدري، ربما هنأت الدوائر الحاكمة الأمريكية نفسها كون الإخوان هم الأكثير تمثيلاً في المجلس لما يتميزون به من الاعتدال النسبي والعداء الأقل للغرب ومصالحه ...والأهم من كل ذلك، فهم ليسوا أصحاب مشروعٍ قومي ولا دعاة تأميمٍ أو إجراءاتٍ اقتصادية وقائية مما يهدد حرية الأسواق...أما الاختلاف في المزاج، فالرد عليه أن أمريكا لن تتزوجهم وأنها لا بد أن تهادن لتحجيم خسارتها في نظام مبارك الثمين وإنقاذ ما يمكن إنقاذه طالما يمكن الوصول إلى هدنةٍ أواتفاق ٍ من نوعٍ ما فيما يخص إسرائيل ووضعها في المنطقة ...على الأقل في المرحلة الراهنة..
ثانيا، من الذي اشاع أن هناك عداءً تاريخياً بين الغرب والقوى الإسلامية؟
لعلنا هنا بحاجة إلى تنشيط الذاكرة. لقد كانت علاقة الإخوان بالإنجليز تخضع لعلاقةٍ معقدة تمر عبر القصر والوفد وسائر الحكومات، كما أن مجهودهم ضدهم في خط القناة لم يزد عن غيرهم إن لم نقل بمنتهى الصراحة أنه كان ضئيلاً أو منعدماًً...و قد هربوا إلى الغرب الذي آواهم إبان محنتهم مع النظام الناصري ....وإلى المملكة العربية السعودية التي لايخفى على أحدٍ العلاقة الخاصة بينها وبين الغرب الذي شجع ملوكها رغم مرجعية سلطتهم الإسلامية المتزمتة على طرح أنفسهم كبديلٍ إسلامي لمناوءة المشروع القومي التقدمي بزعامة مصر الناصرية...ثم كانت تلك القوى الإسلامية الأثيرة بل والمدللة حين دعمها الغرب وأمريكا تحديداً في كل مكان ومن بينها أفغانستان لاحتواء ومن ثم الحرب على المد اليساري والنفوذ السوفييتي...
لا تعوزنا الأمثلة فهي أكثر من أن تحصى..والعلاقة بين الطرفين قديمة ودافئة في أغلب العصور، كما أن الإخوان يحتاجون الآن بصورة ماسة لموافقة، إن لم نقل دعم الإدارة الأمريكية.
هي المصالح أولاً وأخيراً، فرأس المال، أمريكي أو غير أمريكي، لا أخلاق له ولا ديانة ولا جنسية...كما أنه لا عزيز لديه...و في ضوء المصلحة الأمريكية يغدو التقارب مع الإخوان هو الخطوة الصحيحة والمنطقية... أما آن لنا أن نرى الأمور على حقيقتها؟

' كاتب مصري

Aucun commentaire: