إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَاةَ......... فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَدَر
وَلا بُـدَّ لِلَّيلِ أنْ يَنْجَلِـي ..........وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِر
وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَاةِ............ تَبَخَّرَ في جَوِّهَـا وَانْدَثَر
فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْـهُ الْحَيَاةُ........... مِنْ صَفْعَةِ العَدَم المُنْتَصِر
كَذلِكَ قَالَتْ لِيَ الكَائِنَاتُ............ وَحَدّثَني رُوحُـهَا المُسْتَتِر
وَدَمدَمَتِ الرِّيحُ بَيْنَ الفِجَاجِ ........وَفَوْقَ الجِبَال وَتَحْتَ الشَّجَر
إذَا مَا طَمَحْتُ إلِى غَايَةٍ............. رَكِبْتُ الْمُنَى وَنَسِيتُ الحَذَر
وَلَمْ أَتَجَنَّبْ وُعُورَ الشِّعَابِ.......... وَلا كُبَّةَ اللَّهَـبِ المُسْتَعِـر
وَمَنْ لا يُحِبّ صُعُودَ الجِبَالِ........... يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَر
فَعَجَّتْ بِقَلْبِي دِمَاءُ الشَّبَابِ......... وَضَجَّتْ بِصَدْرِي رِيَاحٌ أُخَر
وَأَطْرَقْتُ ، أُصْغِي لِقَصْفِ الرُّعُودِ ......وَعَزْفِ الرِّيَاح وَوَقْعِ المَطَر
وَقَالَتْ لِيَ الأَرْضُ لَمَّا سَأَلْتُ : ...." أَيَـا أُمُّ هَلْ تَكْرَهِينَ البَشَر؟"
"أُبَارِكُ في النَّاسِ أَهْلَ الطُّمُوحِ .........وَمَنْ يَسْتَلِذُّ رُكُوبَ الخَطَر
وأَلْعَنُ مَنْ لا يُمَاشِي الزَّمَانَ ...........وَيَقْنَعُ بِالعَيْشِ عَيْشِ الحَجَر
هُوَ الكَوْنُ حَيٌّ ، يُحِبُّ الحَيَاةَ ........وَيَحْتَقِرُ الْمَيْتَ مَهْمَا كَـبُر
فَلا الأُفْقُ يَحْضُنُ مَيْتَ الطُّيُورِ........ وَلا النَّحْلُ يَلْثِمُ مَيْتَ الزَّهَر
وَلَوْلا أُمُومَةُ قَلْبِي الرَّؤُوم ..........لَمَا ضَمَّتِ المَيْتَ تِلْكَ الحُفَـر
فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْهُ الحَيَاةُ.............. مِنْ لَعْنَةِ العَـدَمِ المُنْتَصِر!"
وفي لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي الخَرِيفِ ...........مُثَقَّلَةٍ بِالأََسَـى وَالضَّجَـر
سَأَلْتُ الدُّجَى: هَلْ تُعِيدُ الْحَيَاةُ............ لِمَا أَذْبَلَتْهُ رَبِيعَ العُمُر؟
فَلَمْ تَتَكَلَّمْ شِفَاهُ الظَّلامِ............. وَلَمْ تَتَرَنَّـمْ عَذَارَى السَّحَر
وَقَالَ لِيَ الْغَابُ في رِقَّةٍ .............مُحَبَّبـَةٍ مِثْلَ خَفْـقِ الْوَتَـر
يَجِيءُ الشِّتَاءُ، شِتَاءُ الضَّبَابِ......... شِتَاءُ الثُّلُوجِ ، شِتَاءُ الْمَطَر
فَيَنْطَفِىء السِّحْرُ، سِحْرُ الغُصُونِ ......وَسِحْرُ الزُّهُورِ وَسِحْرُالثَّمَر
وَسِحْرُ الْمَسَاءِ الشَّجِيِّ الوَدِيعِ ......وَسِحْرُ الْمُرُوجِ الشَّهِيّ العَطِر
وَتَهْوِي الْغُصُونُ وَأَوْرَاقُـهَا ........وَأَزْهَـارُ عَهْدٍ حَبِيبٍ نَضِـر
وَتَلْهُو بهَا الرِّيحُ في كُلِّ وَادٍ ........وَيَدْفنُـهَا السَّيْـلُ أنَّى عَـبَر
وَيَفْنَى الجَمِيعُ كَحُلْمٍ بَدِيـعٍ ...........تَأَلَّقَ في مُهْجَـةٍ وَانْدَثَـر
وَتَبْقَى البُذُورُ التي حُمِّلَـتْ .........ذَخِيرَةَ عُمْرٍ جَمِـيلٍ غَـبَر
وَذِكْرَى فُصُول،وَرُؤْيَا حَيَاةٍ .........وَأَشْبَاح دُنْيَا تَلاشَتْ زُمَـر
مُعَانِقَةً وَهْيَ تَحْتَ الضَّبَابِ........ وَتَحْتَ الثُّلُوجِ وَتَحْتَ الْمَدَر
لَطِيفَ الحَيَاةِ الذي لا يُمَـلُّ ........وَقَلْبَ الرَّبِيعِ الشَّذِيِّ الخَضِر
وَحَالِمَةً بِأَغَانِـي الطُّيُـورِ........ وَعِطْرِ الزُّهُورِ وَطَعْمِ الثَّمَـر
وَمَا هُوَ إِلاَّ كَخَفْقِ الجَنَاحِ .........حَتَّى نَمَا شَوْقُـهَا وَانْتَصَـر
فصدّعت الأرض من فوقها...... وأبصرت الكون عذب الصور
وجاءَ الربيعُ بأنغامـه............ وأحلامـهِ وصِبـاهُ العطِـر
وقبلّها قبـلاً في الشفـاه ........تعيد الشباب الذي قد غبـر
وقالَ لَهَا : قد مُنحتِ الحياةَ ........وخُلّدتِ في نسلكِ الْمُدّخر
وبارككِ النورُ فاستقبـلي ........شبابَ الحياةِ وخصبَ العُمر
ومن تعبدُ النـورَ أحلامـهُ......... يباركهُ النـورُ أنّـى ظَهر
إليك الفضاء، إليك الضياء......... إليك الثرى الحالِمِ الْمُزْدَهِر
إليك الجمال الذي لا يبيـد ......إليك الوجود الرحيب النضر
فميدي كما شئتِ فوق الحقول .......بِحلو الثمار وغض الزهر
وناجي النسيم وناجي الغيوم .......وناجي النجوم وناجي القمر
وناجي الحياة وأشواقـها....... وفتنـة هذا الوجـود الأغـر
وشف الدجى عن جمال عميقٍ....... يشب الخيال ويذكي الفكر
ومُدَّ عَلَى الْكَوْنِ سِحْرٌ غَرِيبٌ....... يُصَرِّفُهُ سَـاحِـرٌ مُقْـتَدِر
وَضَاءَتْ شُمُوعُ النُّجُومِ الوِضَاء .....وَضَاعَ البَخُور،بَخُور الزَّهَر
وَرَفْرَفَ رُوحٌ غَرِيبُ الجَمَالِ ..........بِأَجْنِحَةٍ مِنْ ضِيَاءِ الْقَمَـر
وَرَنَّ نَشِيدُ الْحَيَاةِ الْمُقَـدَّسِ ......في هَيْكَـلٍ حَالِمٍ قَدْ سُـحِر
وَأَعْلَنَ في الْكَوْنِ أَنَّ الطُّمُوحَ .......لَهِيبُ الْحَيَـاةِ وَرُوحُ الظَّفَر
إِذَا طَمَحَتْ لِلْحَيَاةِ النُّفُوسُ ...........فَلا بُدَّ أَنْ يَسْتَجِيبَ الْقَدَرْ
vendredi 8 avril 2011
إرادة الحياة - لأبي القاسم الشابي
Inscription à :
Publier les commentaires (Atom)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire